جريدة الجرائد

وفاء تمسك بالأدب الحكائي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أدب السيرة في العالم العربي غالباً يجافي الحقيقة، فالكاتب العربي يجد أمام سرد سيرة حياته صعوبة كؤود، ولم يتجاوز معضلة شفافية السرد إلا عدد ضئيل للغاية، قد يكون الروائي سهيل إدريس نموذجاً لذلك التجاوز، ووجد عنتاً من قبل أسرته ورفضاً لتلك الشفافية حتى أوقفوا نشر الجزء الثاني من تلك السيرة (بعد موت الأستاذ سهيل).

وفي أدبنا المحلي قد يكون النموذج في اقترابه من سرد جزء من سيرته المتجاوزة هو الدكتور معجب الزهراني (أبو توفيق)، إذ إنه اقترب كثيرا من البوح بما مر به، وقد يكون لحياته في باريس دور في ذلك السرد، وكنت -وما زلت- أرى أن أدب السيرة في العالم العربي لايمكن له أن يجابه المجتمع، ولايمكن لكاتب السيرة أن يكون متجاوزا لكل المحاذير ليس لجبن يعتري الكاتب وإنما للجذور الثقافية القائمة على رفض المجاهرة بما حدث للمرء من أحداث في حياته، وذكر تلك النواقص التي لا يعترف بها المجتمع والأقارب، فالثقافة العربية الإسلامية ترفض المجاهرة علانية مهما امتلك الكاتب من الجرأة في الكتابة عن حياته.

وعندما كتب الروائي محمد شكري رواية الخبز الحافي، سارع الكثيرون للقول إن شكري كتب عن حياته وما التصق بها من قاذورات أخلاقية، وهذا الحكم حكما تخلى عن الإبداع، وتمسك بأحداث الرواية على أنها واقع صرف أنعشه شكري، وأصحاب هذه النظرة ينظرون إلى الرواية على أنها ملجأ لكتابة سيرة الكاتب من غير أن يصاب بأذى الألسن، والمحاكمة الأخلاقية، يحدث هذا في واقع ثقافي متجذر يرفض صراحة الكتابة عما كان عليه كاتب السيرة، ومعظم من كتب أدب السيرة في العالم العرب، كتب سيرة منتقاة.. ونجاح كتابه أدب السيرة في العالم الغربي كون الجذر الثقافي لهذه المجتمعات قائماً على الاعتراف، كأن يقف المرء أمام القسيس ويعترف بكل نواقصه، وهنا يظهر دور الدين في أدب السيرة كعنصر محفز أو كعنصر حاجب.


مناسبة هذا المقدمة الطويلة، حدثت حينما كنت أقلب القنوات الفضائية، ووقفت على برنامج سيرة الذي تقدمه الأستاذة وفاء الكيلاني، وكان الضيف الممثل الكويتي داوود حسين.. في هذه الحلقة استطاعت المذيعة -وبمهارة- الاقتراب إلى حد العظم من سيرة داوود، كانت سيرة مؤلمة وكاشفة عما عاشه الممثل داوود حسين، حلقة أبقت الدمع معلقاً بين أهداب وفا وبين الممثل والمشاهد معا.

وأعتقد أنه برنامج يقترب كثيراً من كشف الجوانب المخبأة في سيرة الشخصية، وهي طريقة أجدى من كتابة أدب السيرة، وبعد تلك الحلقة أعدت إلى مشاهدة حلقات كثيرة كانت القائدة لتلك السير هي المذيعة المتمكنة وفاء الكيلاني.

فهل يمكن اعتبار الحوارات التلفزيونية ومكاشفتها للضيف بحقائق حياتية هي السيرة الأصدق من السير المكتوبة؟

ولأن لكل زمن أدوات مكاشفة تستطيع الانتقال من كونها مجرد برنامج إلى كونها أدباً للسيرة، ولأننا مغرمون بالأسماء، فلتكن (أدب السيرة المحكية).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف