رئيس وزراء بريطانيا الجديد ريشي سوناك والتنفس بين ثقافتين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ويمثل وصول سوناك إلى زعامة حزب المحافظين حدثًا تاريخيًا فهو أول رئيس وزراء لبريطانيا من أصول هندية إلى جانب كونه أصغر من يتولى هذا المنصب منذ أكثر من قرن..
ينظر تاريخيًا إلى الهند، بأنها أثمن جوهرة في التاج البريطاني، فلا حياة لبريطانيا بدون الهند ولا حياة للهند بغير بريطانيا.
في الثمانينات الميلادية التقيت أحد الطلاب الهنود وكان قادمًا لتوه من مدينة بنارس الهندية للدراسة في جامعة اكسفورد، وقد لفت انتباهي بحيويته وخفة روحه وظرافته فقد كانت نفسه ممتلئة إعجابًا بالمشاهد التي يراها أمامه.
سألته لماذا اخترت الدراسة في بريطانيا ألا يوجد اليوم في الهند الحديثة جامعات عريقة؟ نظر إلي وقال لي بإنجليزية ذات لكنة هندية: بلى.. ولكن لم آتِ للدراسة فحسب وإن كان هذا هدف كل طالب أو طالبة هندية الدراسة في أكسفورد أو كمبردج ولكن ما جاء بي هنا هو عظمة المدنية البريطانية التي تمثل أروع مظاهر الحضارة الأوروبية والتي هي بالنسبة لي مثلًا أعلى لعلني لا أحتاج إلى تفكير كثير لكي أقول لك بأن بريطانياً عامل فعال ومؤثر في العالم.
كان هذا الشاب هنديًا ولكنه كان إنجليزياً في ذوقه وتفكيره وسلوكه وأخلاقه.. فقد أحدث الإنجليز تغييرًا جذريًا في التفكير والسلوك الهندي إبان الاستعمار توارثتها الأجيال الهندية.. فقد زعزعت الأفكار الإنجليزية الأفكار الهندية القديمة.
يقول همايون أحد مفكري الهند في إحدى محاضراته التي كان يلقيها في جامعة أكسفورد: "لقد فرضت الأفكار الإنجليزية على الهنود طابعاً جديدًا في التفكير والسلوك مكنهم من اكتساب عقلية جديدة أفسحت المجال للطامحين الهنود من منافسة البريطانيين في ديارهم.
فقد أوقف بعض رجال الأعمال الإنجليز جزءا من ثرواتهم لكي يتمكن الطلاب الهنود للدراسة في أعرق الجامعات البريطانية كأكسفورد وكمبردج وقد سبقهم إلى ذلك تاريخيًا، رجل الأعمال البريطاني سيسل رودس الذي أوقف ثرواته الطائلة في بعثات للطلاب الهنود للدراسة في جامعة أكسفورد.
ومن المؤكد اليوم أن أولئك الطلاب الهنود برزوا في الحكم والإدارة والسياسة والفكر والتكنولوجيا، فقد درسوا في معاقل العلم الحديث في أكسفورد وكمبردج وتلقوا تجارب الحكم في حزب المحافظين أمثال رئيس وزراء بريطانيا الجديد ريشي سوناك الذي يعتبر أمتع وألمع شخصية في حزب المحافظين، فقد جمع هذا الآسيوي الأصل بين حكمة الشرق وهمة الغرب ودهاء الهنود وسياسة الإنجليز.
فالمحافظون -كما يقول اللورد هيو سيسل- مصلحون يقومون بإصلاحاتهم برزانة وحذر، فمعظم أعضاء حزب المحافظين من الطبقات العليا في المجتمع البريطاني يأتي من بينهم رجال الدين والمال والثقافة والقضاء والصناعة والصاعدين من الطبقة الوسطى ممن يرون في الحزب المحافظ ما يلائم طبائعهم ومصالحهم.
فحزب المحافظين من أكثر الأحزاب البريطانية تعلقًا بالنظام الملكي والحكم الدستوري وحماية نظام الطبقات الاستقراطية، ورعاية الكنيسة وحماية حقوق التملك الفردي ومن أكثر الأحزاب تمسكًا بمبدأ التوسع البريطانيي.
وقد امتاز حزب المحافظين على مدى تاريخه بأن ضم في صفوفه علماء الفكر السياسي أمثال: بت وفوكس وليفربول وبرك وتشيرشل ودزرائلي.
واليوم ريشي سوناك أول رئيس وزراء لبريطانيا من أصول هندية، والذي كان قد تلقى تعليمه في جامعة أكسفورد وجامعة ستانفورد.
ويمثل وصول سوناك إلى زعامة حزب المحافظين حدثًا تاريخيًا فهو أول رئيس وزراء لبريطانيا من أصول هندية إلى جانب كونه أصغر من يتولى هذا المنصب منذ أكثر من قرن.
وهنا يرسم لنا أمين المميز صورة عن علاقة الأحزاب السياسية بالنظم البرلمانية فقد ألف الإنجليز النظام الحزبي منذ عدة قرون حينما بدأ شأن مجلس العموم يتعاظم، فكانت الحياة السياسية عبارة عن نضال مستمر بين الأحزاب؛ فيوم بين حزبي سكان مقاطعتي لانكستر ويورك، ويوم بين حزب الفرسان أي الحزب الملكي وحزب ذوي الرؤوس المستديرة، وهما الحزبان اللذان أوجدتهما ظروف الحرب الأهلية، ويوم آخر نضال بين حزب حملة الورد الأحمر وحزب حملة الورد الأبيض.
وفي القرون المتأخرة انجر ذلك النضال إلى حزبين هما الحزب المحافظ وحزب الأحرار، وفي القرن الحالي اقتصر على المحافظون والعمال.
ومن جراء هذا النضال المستمر بين حزبين على الأغلب أصبحت الأحزاب السياسية جزءا لا يتجزأ من النظم الديمقراطية البرلمانية.. فكما أن العرش والبرلمان والوزارة أداة أساسية في هذه النظم أصبحت الأحزاب السياسية أداة أساسية مثلها فأصبح نفوذها أكثر من أن يكون شكلياً أو ظاهريًا.. إذ تجاوز ذلك النفوذ إلى التدخل الفعلي في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك لأن مرشحي هذه الأحزاب هم الذين يكونون الهيئة التشريعية، يضاف إلى ذلك أن الأحزاب في إنجلترا هي التي تضع المناهج وترسم الخطط التي تسير بمقتضاها الهيئة التنفيذية عندما تأتي إلى الحكم، وبفضل هذه المنزلة صار على كل فرد أن يختار له حزبا ينضم تحت لوائه وصار يعير الحياة الحزبية اهتماما جديًا كما يتضح من عدد الذين يشتركون في الانتخابات.. وكان من نتيجة ذلك أن نضجت الحياة الحزبية في إنجلترا نضجا فريدا مما ساعد على هذا النضج التشكيلات الحزبية، فلكل حزب هيئة وتشكيلات دائما سواء كان في الحكم أم خارجه، ففي الحالة الأولى عليه أن يناصر الحكومة ويشد أزرها في داخل البرلمان أو خارجه، وفي الحالة الثانية عليه أن يبذل الجهد لكسب الأنصار والحيلولة دون انخراط الاتباع في الأحزاب الأخرى، وذلك لغرض الوصول إلى الحكم. إما عن طريق معارضة الحزب الحكومي وانتقاده أو عن طريق إقناع الرأي العام بصحة مبادئه وحسن نيته نحو الصالح العام.