ينزعون أقنعة "حقوق الإنسان" حين يتعلق الأمر بمصالحهم الاقتصادية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في كلِّ مناسبةٍ سياسيَّةٍ أو اقتصاديَّةٍ دوليَّة أو مؤتمرٍ عالمي ينعقدُ في دولةٍ بالشرقِ الأوسط أو الوطنِ العربي نجدُ وزراءَ الدولِ الكبرى أو رؤساءها يشددون أمام الصحافةِ بأنهم سوف يثيرون موضوع حقوق الإنسان والديمقراطيَّة والحريات السياسية والمعتقلين في هذه الدولِ العربية التي يزورونها في مناسبةِ انعقاد ذلك المؤتمر.. هكذا يتصرفُ الغربُ عمومًا إزاءَ الدولِ الأخرى التي يعتبرونها في مستوى سياسي أقل من الغرب.. أو بتعبير آخر يتصرفون كأساتذة والآخرون تلاميذ!
ومع استضافة مصر لمؤتمر المناخ "كوب "27في مدينة شرم الشيخ تكررَ الموقفُ الغربي إزاء مصر في موضوع حقوق الإنسان حيث أصرَّ الرئيسُ الأمريكي جو بايدن على مناقشةِ موضوع حقوق الإنسان بمصر مع الرئيس المصري أثناء اجتماعهما.. ورد الرئيس السيسي بأنه شخصيًّا أطلقَ مبادرةً لتفعيل هذا الموضوع الحقوقي قبل انعقاد مؤتمر المناخ بمصر منذ فترة طويلة، وهناك منجزاتٌ فعليَّةٌ تحدث يوميًّا بعيدًا عن الضجيجِ الإعلامي.
ليست مصرُ وحدها هي المعنية في إثارة موضوع حقوق الإنسان من قِبل المسؤولين الغربيين، فقد سبق للرئيس الأميريكي جو بايدن أن أثار موضوع حقوق الإنسان أثناء زيارته سابقا للسعودية، وجاءه ردٌ مفعمٌ بالحزم من قِبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي ذكَّر بايدن بخروقات حقوق الإنسان الأميركيَّة في سجن أبوغريب العراقي، والمعاملة اللاإنسانية التي تعرَّض لها المعتقلون العراقيون على يد الجنود الأميركان في ذلك السجن الرهيب بالعراق، واغتيال الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبوعاقلة في شهر مايو الماضي من دون إدانةٍ للسلطات الإسرائيلية لمقتل الصحفية أثناء عملها في الضفة الغربية.
ولو زار الرئيسُ الأميركي جو بايدن الإمارات أو البحرين أو الجزائر أو المغرب أو تونس أو الكويت أو الأردن سيقول إنه سوف يناقشُ موضوع حقوق الإنسان في تلك الدول أيضا! هكذا تتصرفُ أميركا والدولُ الغربيَّةُ عمومًا تجاه الدول الأخرى، حيث تصرُّ على التدخلِ في الشؤونِ الداخلية للدول الأخرى، بل تعتبرها دائما متهمةً بالتقصير في حقوق الإنسان!
مؤخرا اطلعت على فيديو ربما شاهده كثيرون غيري على هامش مؤتمر المناخ بمصر، حيث حرص رؤساء ووزراء في حكومات غربية على اللقاء مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على هامش المؤتمر، بينهم الرئيسُ الفرنسي ماكرون والوزيرُ الأميركي للمناخ جون كيري ورئيسُ وزراء البرتغال، والذين كانوا يعتبرونه رئيسًا دكتاتوريًّا في فنزويلا ويتهمونه سابقًا بانتهاكِ حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية في بلاده!
وها هم الآن يتوددون لمصافحته والحديث معه لأن بلادَه منتجةٌ للنفط، وهم في حاجةٍ إلى الطاقة، وبلعوا كلَّ شعاراتهم السابقة الزائفة بحق نيكولاس مادورو، مع العلم أن واشنطن سبق لها أن رصدت مبلغ 15 مليون دولار مكافأة لمن يقبض على الرئيس الفنزويلي مادورو ويحضره للمحاكمة في أميركا!
كلهم بلعوا شعاراتهم حول الديمقراطيَّة المزيفة حين تعلق الأمر بحاجتهم إلى النفط من فنزويلا، وسوف يفعلون الشيء ذاته مع إيران أيضا لاحقا، لأنهم أيضا بحاجة إلى النفط الإيراني، وسوف تنسى الدولُ الغربيَّةُ وعلى رأسها أميركا كلَّ أولئك الذين قُتلوا في الشوارع من فتيات وشبان الشعب الإيراني في الاحتجاجاتِ الأخيرة.
ولِم نذهب بعيدًا.. وها هو الرئيسُ الأميركي جو بايدن يحلّ على كمبوديا للمشاركة في قمة آسيان رابطة دول جنوب شرق آسيا المنعقدة هناك، رغم أن واشنطن سبق لها أن اتهمت الحكومةَ العسكريَّة هناك بالدكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان!
وكذلك فعلت الدولُ الغربية الأخرى تجاه كمبوديا، ولكنهم أيضا بلعوا شعاراتهم الديمقراطية وحقوق الإنسان لأن أميركا وحلف الناتو الغربي يريدون كسبَ ودّ دول آسيان وتعاونها العسكري والاقتصادي والسياسي ضد النفوذ الصيني والروسي المتنامي بشكل سريع في آسيا في السنوات الأخيرة.
إذن شعاراتُ حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية التي ترفعها أميركا والغربُ ضد الدول الأخرى في العالم هي مجردُ وسائل وأدوات ضغط سياسي تمارسه هذه الدولُ الغربية للتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى.. لكن حين يصل الأمر إلى وجود مصلحة اقتصادية خاصة بهم في هذه الدول، مثل حاجتهم الحالية إلى مصادر الطاقة من غاز ونفط فإنهم ينسون هذه الشعارات الفضفاضة، ويجلس رؤساؤهم ووزراؤهم إلى الطاولة لمناقشة المصالح الاقتصادية المشتركة!
إذن.. لماذا كلُّ هذه الأقنعة التي يرتديها الغرب؟!