بعد نجاته من اختبار الانتخابات النصفية... هل ستتغير سياسة بايدن الخارجية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نجا الرئيس الأميركي جو بايدن بشق النفس من اختبار الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي التي حصلت في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. فاحتفظ الحزب الديموقراطي بالغالبية في مجلس الشيوخ، فيما (حتى كتابة هذه السطور) يفترض أن يحصل الحزب الجمهوري على الغالبية في مجلس النواب. لكن هذا التوازن بين مجلسي الكونغرس هو بحد ذاته انتصار للديموقراطيين الذين كانوا يهيئون أنفسهم لتلقي هزيمة كبيرة في الانتخابات النصفية. أما فوز الجمهوريين بالغالبية في مجلس النواب فهو نصف انتصار بطعم الهزيمة، لا سيما أنهم استناداً الى جميع الاستطلاعات التي سبقت الانتخابات كانوا يتأملون أن تأتي النتائج بما يشبه الموجة الحمراء (لون الحزب الجمهوري)، أي انتصار بفارق كبير. لكن احتفاظ الجمهوريين بالغالبية في مجلس النواب (إذا تأكد بعد فرز جميع النتائج) إنْ حصل سيكون بفارق ضئيل، أي بأغلبية ضعيفة. معنى هذا أن هزيمة الديموقراطيين لم تحصل فيما انتصار الجمهوريين لم يحصل. هذه النتائج لم تكن متوقعة. كان متوقعاً ان يتلقى الحزب الديموقراطي صفعة كبيرة، وبالتالي أن تنسحب الصفعة على إدارة الرئيس بايدن نفسه مما كان سيضعه تحت وطأة ضغوط هائلة، لا بل حصار كبير ومضنٍ من قبل الجمهورييين في الكونغرس مما يحوله الى "بطة عرجاء" في العامين الأخيرين من ولايته الرئاسية. أما اليوم وفي ضوء التوازن الذي استقر بين الحزبين في الكونغرس يعتبر بايدن أنه خرج قوياً من الاختبار الصعب، لا سيما أن تاريخ الانتخابات النصفية منذ أكثر من أربعين عاماً يفيد بأن حزب الرئيس غالباً ما يصاب بهزيمة أو أقله نكسة في الانتخابات النصفية التي تحصل بعد عامين على انتخاب الرئيس، مما يعني أنه في حالة جو بايدن يمكن القول إنه شعر بنشوة النصر عندما صرح على هامش قمة "رابطة دول جنوب شرق آسيا - ASEAN" التي انعقدت في كمبوديا بأنه يشعر بأن نتائج الانتخابات النصفية جعلته أقوى وأكثر قدرة على إكمال أجندته الرئاسية التي بدأها مع توليه الرئاسة في 20 كانون الثاني (يناير) 2021. إنها المفارقة أن مجرد تفادي الهزيمة هو انتصار بحد ذاته! إنما الحديث عن مآلات التطور السياسي الداخلي في الولايات المتحدة بناء على الانتخابات النصفية المشار اليها أمر يطول. لكن ماذا عن السياسة الخارجية التي تهم العالم أكثر؟
معلوم أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة عادة ما تكون من اختصاصات الرئيس. لذلك يتمتع الآخير بهوامش كبيرة في اتخاذ القرارات. صلاحياته واسعة وله قدرة على تجاوز قرارات للكونغرس عبر حق النقض "الفيتو" الذي يمتلكه الرئيس عند حدوث خلاف كبير. لكن نتائج الانتخابات الأخيرة ستريح الرئيس بايدن الى حد بعيد لا سيما أن التوزان في السلطة التشريعية سيتيح له التحرر من الضغوط المباشرة، وإنْ لم يريحه الى حد القدرة على التوسع في تنفيذ أي أجندة خارجية يمكن أن تنتج منها زيادات كبيرة في الانفاق مثلما حصل في موضوع دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا بحوالي أربعين مليار دولار من المساعدات المالية والعسكرية، حيث احتاج بايدن أن يمرر الميزانية في الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الديموقراطيون، الأمر الذي كان سهلاً. أما الآن ففي حالة أوكرانيا، فإن الرئيس الأميركي قادر على تأمين دعم على قاعدة أن توافق الحزبين كافٍ لإمرار مساعدات لأوكرانيا، خصوصاً أن قسماً رئيسياً من الحزب الجمهوري يدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا. أما الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يخشى من علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدائه لكل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي فقد خرج ضعيفاً من الانتخابات بعد فشل عدد معتبر من المرشحين الذين فرضهم فرضاً على الحزب الجمهوري، ما خلق نوعاً من التمرد ضده داخل حزبه، الأمر الذي يمكن أن يخلط الأوراق ويخفف من ضغطه على إدارة بايدن. وفي هذه الحالة سيكون بايدن قادراً في الشهرين المقبلين قبل أن يتسلم النواب والشيوخ المنتخبون الجدد مهامهم أن يمرر حزمات من المساعدات عبر الكونغرس. ويمكنه ان يتابع إمرارها بعد 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، لكن شرط التعاون مع الجمهوريين. وواضح أن إدارة بايدن ستواصل دعم كييف لمواجهة أكثر فعالية ضد القوات الروسية. إن تفادي الديموقراطيين الهزيمة في الانتخابات هو بالتأكيد خبر سيئ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولعله في المقابل خبر جيد للأوروبيين الذين يتنفسون اليوم الصعداء.
في الملف الصيني يقابل بايدن نظيره شي جينبينغ اليوم الاثنين في أندونيسيا على هامش قمة مجموعة العشرين، لكنه سيكون في موقع تفاوضي أفضل. فبالتوازي مع سقوط الرهان الروسي على هزيمة حزب بايدن في الانتخابات النصفية الأخيرة سقط الرهان الصيني، لا سيما في ضوء الصراع الذي يتفاعل في بحر الصين حول أمن جزيرة تايوان ومصيرها. هنا خلاف كبير وخطير لأن الاشتباك في حال غزو الصين الجزيرة يمكن أن يتطور ليصبح مباشراً بين قوتين عظميين. لذلك قال بايدن ما معناه إنه يرغب في إدارة الخلافات مع بيجينغ. والملفات عديدة بين الرجلين، أولها التوتر حول تايوان، ثم مسألة التنافس الاقتصادي، والتجاري، والتكنولوجي بين البلدين، وصولاً الى التنافس في العديد من الدول والمناطق الجغرافية حيث تتداخل مصالح البلدين.
ماذا عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟ يقيننا أن إدارة الرئيس بايدن ستواصل هرولتها نحو إيران. بمعنى أنها لا تزال تراهن على العودة الى طاولة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني في فيينا، وصولاً الى التوقيع على اتفاق لإحياء الاتفاق الأصلي للعام 2015. مؤدى هذا أن تبقى الإدارة الأميركية على موقفها الهادئ الصامت حيال موجة الاحتجاجات العارمة التي تعصف بإيران وهي ترقى الى مستوى الثورة من أجل تأمين توقيع النظام الإيراني على الاتفاق النووي المطروح. كل هذا من دون أن تثار مسألتا تطوير البرنامج الصاروخي الباليستي البعيد المدى، أو برنامج تطوير الطائرات المسيّرة المهددة لأمن الدول الحليفة لأميركا في الشرق الأوسط. إذاً لا تغيير على مستوى مقاربة ملف إيران، ولا تغيير للطواقم التي تشرف على الملف. أما بالنسبة الى العلاقات مع الحلفاء في المنطقة فلا تغيير مهماً. ستبقى العلاقات بين إدارة الرئيس بايدن والحلفاء التاريخيين مشوبة بشيء من التوتر من دون أن تصل الى حد تجاوز خطوط حمر تضر الطرفين على حد سواء. وسوء التفاهم سيبقى طاغياً لعامين إضافيين، من دون أن يتحول الى خلاف أكبر وأكثر خطورة.
بايدن لن يخطو خطوة تصالحية، لا سيما تجاه المملكة العربية السعودية تخرج العلاقة من عنق الزجاجة لأنه يفكر في خوض الانتخابات الرئاسية للعام 2024. لكنه لن يذهب بعيداً في تسعير سوء التفاهم الراهن. سيحافظ على "ستاتيكو" من دون الذهاب بعيداً نظراً الى أهمية العلاقة الاستراتيجية التاريخية الثنائية. اما بالنسبة الى إسرائيل يرجح أن تكون العلاقة في ظل حكومة جديدة يرأسها بنيامين نتنياهو متوترة على عكس العلاقة التي كانت مع سلفه يائير لابيد.
اننا لا نستشم في هذا الوقت بالذات معالم سياسة خارجية جديدة للرئيس الأميركي جو بادين بعد الانتخابات النصفية الأخيرة. لذا يصح القول إن لا تغيير في العمق.