حين تلتهم الحروب السياحة الدولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
على الرغم من كل ما يقال عن تراجع السياحة الدولية بسبب جائحة &"كورونا&"، وبعدها الحرب الروسية على أوكرانيا، وبجانبها التوترات في جنوب شرقي آسيا بشأن تايوان وجزر سليمان وكوريا الجنوبية، فإنك تستطيع لو زرت القاهرة هذه الأيام أن تجد سياحاً آسيويين من هذه المناطق وسياحاً أوروبيين أيضاً. وهم لا يسافرون أفراداً وإنما في مجموعات سياحية وحقائبهم على ظهورهم وابتساماتهم لا تغيب عن وجوههم.
وبعد أن كان اليابانيون من أفضل وأكثر السياح الآسيويين نشاطاً وبحبوحة، بدأ السياح الصينيون والكوريون الجنوبيون ينافسون أشقاءهم اليابانيين الذين كانوا ظاهرة عالمية لطيفة منذ أن كانوا يعلقون كاميراتهم القديمة على صدورهم ويصورون كل شيء؛ من قطط الشوارع إلى بائع البطيخ إلى شرطي المرور إلى عربات الفول والطعمية في الشوارع الواسعة والأزقة الضيقة.
الآن انتقلوا من الكاميرات القديمة إلى كاميرات الهواتف الذكية، وبدلاً من التقاط صور جامدة تحولوا إلى الصور العامة الجماعية في أشرطة فيديو مليئة بالحياة.
وأينما ذهبت في العالم كنت تجد اليابانيين يتقدمون المجاميع السياحية، وهم يجربون كل شيء لم يعهدوه في بلاد الشمس المشرقة؛ من ارتداء الطرابيش التركية والمصرية والسورية إلى الساري الهندي. الآن انتقلت العدوى إلى دول أخرى سكانها لهم ملامح تشبه ملامح اليابانيين، ما دفع المطاعم والمتاجر الأوروبية إلى أن تضع بجانب لوحات تقول: &"نحن نتحدث العربية&" لوحات تعني الجنسيات واللغات الأخرى.
اختفت تدريجياً عبارة السياح اليابانيين أو الكوريين أو الصينيين وحلّت محلها عبارة السياح الآسيويين، وانتقلنا من السياحة &"الدولية&" إلى السياحة &"القارية&"، وتحولت العملات من الين الياباني واليوان الصيني إلى الدولار أو الجنيه الإسترليني أو اليورو الأوروبي، ليس في الفنادق فقط، وإنما في المتاجر أيضاً، بعد أن كانت الأكثرية تفضل مراجعة البنوك لتحويل العملات الصعبة إلى ما يناسب الدول التي يزورونها.
والظاهرة العالمية الجديدة أن السياح الآسيويين تعلموا من السياح الأوروبيين والأميركيين صفة البساطة في كل شيء، فهم يفضلون فنادق الثلاثة نجوم أو الأربعة، ولا يبحثون عن فخامة تستنزف مدخراتهم. إنهم يريدون الاستمتاع بالسفر وتعلم لغات جديدة على أسماعهم ويتذوقون أكلات غريبة عليهم. في كثير من الأحيان، يقف فجأة أحد الصينيين ويؤشر إلى النادل بأنه يريد أن يأكل الوجبة التي يأكلها جاره وأسرته في المائدة المجاورة. وهو لا يتردد في الذهاب إلى المائدة المجاورة، وبابتسامة واسعة يطلب اسم الوجبة التي يأكلها الجالسون حولها ليأكل مثلهم.
يعتقد البعض أن السياحة صارت سياسة، وهو أمر غير صحيح، فهي صارت ذات طابع إنساني أكثر من السابق وأوسع من حدود القارات والدول واللغات والأزياء. ولذلك فإن الدول التي تريد إقحام السياسة في السياحة تفشل فشلاً ذريعاً، لأن الشعوب تبحث عن الصداقة والعلاقات الاجتماعية والأمن والسلام ولا تريد سماع أخبار الأزمات الدولية والحروب والإرهاب.
حتى العام الماضي، كانت مصر تستقبل سياحاً من روسيا وأوكرانيا أكثر من أي دولة أخرى، ويمثل السياح الروس والأوكرانيون نحو 40 في المائة من حجم السياحة الشاطئية. وروسيا وحدها كانت تغذي السياحة في مصر بأكثر من ثلاثة ملايين سائح سنوياً يسهمون في العملات التي تحتاجها مصر بأكثر من 3.5 مليار دولار سنوياً.
يقول رئيس جمعية مستثمري شرم الشيخ في مصر، إن اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا عصف بالموسمين السياحيين الشتوي والصيفي الماضيين، وتقلص عدد الرحلات الجوية السياحية الروسية والأوكرانية إلى أرقام مؤثرة دفعت موازنة مصر لأن تكون في مرمى نيران الحرب بين موسكو وكييف، كما قالت صحيفة &"الإندبندنت&" البريطانية.
وفي إحصائية أخرى نقرأ أن هذه الحرب كبدت السياحة العالمية خسارة بقيمة سبعة مليارات دولار، خصوصاً في الإمارات ومصر وتركيا، حيث ما يسمى السياحة الشعبية. لقد بصمت الحرب الروسية - الأوكرانية بأصابعها العشرة على الخسائر القاسية في هذه الدول.
حتى السياح اليابانيون اكتفوا بالسياحة الداخلية في بلدهم بسبب التوتر السياسي والعسكري في تلك المناطق، وهو أمر ذو وجهين؛ الأول: سلبي إذا تم إقحام السياسة بالسياحة في الأزمات الساخنة، وإيجابي إذا تم عزل السياسة عن السياحة، وهو أمر يرتبط بطبيعة الحال بساحات الحروب وأسلحتها وحجمها.
الخبر الدرامي في هذا المجال ظهور نوع سياحي جديد يسمونه &"سياحة الحروب&" أو &"السياحة المظلمة&" أو &"سياحة الكوارث والمخاطر&" في دول مأزومة مثل سوريا وأفغانستان والسودان واليمن والعراق وإيران. وفي هذه الحالة الخطيرة هناك احتمال كبير أن يفقد السائح حياته أو اتهامه بالتجسس، كما تفعل طهران مع كثير من السياح الأجانب.
وأختتم المقال بسائح ياباني نادر شاهدته خلال الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي، يقف في استعلامات أحد الفنادق في بغداد، فحمدت الله على سمعتنا السياحية، وحين سألته عن رأيه في بلدنا الجميل قال: لقد كنت أحلم دائماً بزيارة بلدكم لأشاهد الأهرامات!