جريدة الجرائد

استثمار الصندوق السيادي في شركة ميتا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ما يحدث لشركات التقنية العملاقة في أميركا ليس مستغرباً، وتسريح موظفيها يأتي كنتيجة طبيعية لحالة الانتعاش التي جاءت لمصلحتها في جائحة كورونا، وبسبب اعتماد الناس على الخدمات والمنصات الإلكترونية في كل أمورهم، ولدرجة أن متوسط الوقت الذي كان الشخص يقضيه على الإنترنت في تلك الأيام، ارتفع إلى 12 ساعة في اليوم الواحد، وهذه الطفرة ادخلت شركات التقنية في سياسات توسعية لم تدرس بشكل جيد، وفي عمليات توظيف عشوائي لم تكن ضرورية، وتستطيع الخوارزميات الذكية أن تؤديها بصورة أفضل من الآدميين، وجاءت الانتكاسة وكأنها فقاعة وانفجرت، وفق وصف صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير منشور.

الناس انشغلوا بما فعله إيلون ماسك في شركة تويتر وأدخلوه في تفسيرات غير موضوعية، رغم أن فكرة التسريح كانت مطروحة قبل حضوره، وقد حركتها مسألة ارتفاع معدلات التضخم لمستوى لم تعرفه منذ 40 عاماً، وقيام البنك المركزي الأميركي بزيادة أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، ولأربع مرات متتالية، والتوقعات المتداولة بموجة ركود قادمة في أميركا وأوروبا، بالإضافة إلى التأثيرات الجيوسياسية للأزمة الأوكرانية وارتفاع الأسعار، علاوة على تراجع الإعلانات بفعل خاصية التحكم في تتبع سلوكيات المستخدمين على جوالات أبل، وبما يعود بالمنفعة على غوغل واستثمار المعلن في نتائج البحث عليه، وانخفاض الإعلان يشير، بطبيعة الحال، لتراجع ثأثير وفاعلية الوسيط الإعلاني، وبالتالي فاستغناء إيلون ماسك عن خدمات 50 % من موظفي تويتر معقول، إذا وضع في سياقه الصحيح، فالشركة تخسر أربعة ملايين دولار كل يوم، وطوال 12 شهراً مضت لم يحرص على الدوام في مركزها الرئيس إلا 10 % من إجمالي موظفيها، والمركز يقدم وجبات مجانية للموظفين تستنزف 13 مليون دولار سنويا بلا عوائد حقيقية، وكل ما سبق طويت صفحته، بخلاف أن إخراج الشركة من البورصة الأميركية، ومن ثم تحويلها إلى شركة خاصة كان عملاً إبداعياً بامتياز.

تسريحات تويتر شجعت زكربيرغ صاحب ميتا (فيسبوك) على تسريح 13 % من موظفيه، وبحسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً، ستقوم شركة أمازون للتجارة الإلكترونية بتسريح عشرة آلاف موظف في الفترة المقبلة، مع ملاحظة أن إجمالي العاملين في القطاع التقني الأميركي لا يتجاوزون ستة ملايين شخص، ونسبتهم إلى إجمالي القوة العاملة في الولايات المتحدة أقل من واحد في المئة، وهناك 207 ملايين عاطل عن العمل حول العالم، وفق إحصاءات 2022، وهم بالتأكيد يستحقون اهتماماً وتعاطفاً ومزاحمة إعلامية مشابهة لموظفي التقنية في عناوين الأخبار، ويرى بيل غيتس أن الأوضاع الحالية مرشحة للاستمرار بوتيرة تصاعدية، ولمدة لا تقل عن خمسة أعوام قادمة، في أحسن الأحوال.

خسائر شركات التقنية الأميركية كبيرة وتنازلاتها إلزامية، ومن الشواهد، ما ذكرته صحيفة الفايننشال تايمز، عن انخفاض القيمة السوقية لأبل بنسبة 24 %، ولغوغل بنسية 35 %، ولمايكروسوفت بنسبة 37 %، ولسناب شات بنسبة 40 %، ولأمازون بنسبة 52 %، ولنتفليكس بنسبة 63 %، ولميتا (فيسبوك) بنسبة 78 %، والأخيرة كانت قيمتها أكثر من ترليون دولار في 2021، وتراجعت إلى 270 مليار في العام الجاري، وفي المجمل تراجع مؤشر (ناسداك) لأسهم شركات التقنية بمعدل 33 % في 2022، وخسر قرابة ثمانية ترليونات دولار، والرقم ضخم وغير مسبوق في تاريخ هذه البورصة.

الروابط بين وادي السيلكون في كاليفورنيا ورجال السياسة في واشنطن وثيقة جدا، فقد كانت شركة غوغل أكبر متبرع في حملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عام 2012، وشركات التقنية، بحسب المختصين، تعمل على التأثير في الانتخابات الأميركية بالاستثمار في بند التبرعات، ولديها جماعات ضغط تساعدها في أعمالها، وسبق وأن حاولت استمالة السلطات الفيدرالية بالتبرع لها، واجتهدت في إقناعها لوضع قوانينها الخاصة على مواقع مشاريعها التي تعمل عليها، ولكن السلطات الفيدرالية رفضت ذلك، وفرضت عليها قيودا ضد الاحتكار واستغلال بيانات مستخدميها لأغراض شخصية.

في عام 2015 تم تفعيل التعديلات الجديدة على نظام العمل السعودي، والتي حددت حالات الفصل القانوني في القطاع الخاص، وقيدت التعويضات التي يجب دفعها للموظف المفصول، ولا يوجد اختلاف بينها وبين المعمول به مع المسرحين من شركات التقنية الأميركية، وقام النظام بإلغاء ما ينص على عودة الموظف المفصول تعسفياً إلى عمله، بعد أن ثبت استغلاله من قبل الموظفين المفصولين في المحاكم العمالية، وترك الخيار لصاحب العمل الخاص، ولم يجبره على موظف لا يريده، وفي العام التالي قامت شركات القطاع الخاص بفصل 100 ألف موظف، وبررت إجراءها برغبتها في التقشف وخفض المصاريف، والتزمت بالنظام وتعويضاته في تعاملها مع الموظفين، والمملكة وأميركا متفقتان في هذا الجانب، والأهم أن شركة ميتا (فيسبوك) متاحة لاقتناص حصة دسمة فيها، وربما فكر صندوق الاستثمارات العامة السعودي في دراسة الفرصة اذا كانت منصفة وعادلة وقانونية، فالظروف مواتية والتوقيت مناسب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف