جريدة الجرائد

إيران تُسقط بروباغندا "حزب الله" في لبنان: الحصار والنفط والسيادة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا يوجد طرف سياسي لبنانيّ واحد إلّا ويتوسّل البروباغندا، فالدعاية السياسيّة جزء لا يتجزّأ من إرادة التأثير، وهي غالبًا ما تنشط في المراحل السابقة للإنتخابات النيابيّة لتعود فتخفت، لاحقًا.

ولكنّ "حزب الله" ليس من هذا الرأي، إذ إنّ معاركه وحروبه لا تنتهي، على اعتبار أنّ الأهداف التي يرمي إليها، وهي تتعارض في غالبيّة الأحيان مع مصالح لبنان العليا وتسيء إلى جاذبيّته الماليّة والإقتصاديّة والإستثماريّة، تحتاج إلى تفعيل يومي وتخصيب دائم، ولهذا، فهو "بروباغندي" بامتياز.

وقد نشطت الماكينة الدعائية لـ "حزب الله" التي يشارك فيها كبار قياديّيه يتقدّمهم أمينه العام حسن نصرالله، على ثلاثة ملفات رئيسة في فترة الفراغ الرئاسي التي يريد استغلالها لإيصال رئيس يضمن أن يواصل سياسة سلفه ميشال عون، في ملفّين على الأقل: ترسيخ رمي لبنان في "محور الممانعة" وتوفير التغطية الشرعية لسلاحه.

ومن أجل أن يحصّن معركته الرئاسيّة، فإنّ "حزب الله" يحاول أن يرفع عن نفسه مسؤوليّة الإنهيار التاريخي الذي يعيش لبنان كوابيسه، ليضعه، تارة على عاتق الطبقة السياسيّة التي إمّا يتحالف معها أو يريدها أن تتعاون معه، وتارة أخرى على عاتق "حصار" تفرضه الولايات المتّحدة الأميركية التي كانت هي الوسيط، بدعم مشهود منه، في اتفاق لبنان مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة.

الملف الأوّل، هو المتعلّق بحديثه عن خضوع لبنان لحصار أميركي يحول دون إيصال الفيول الإيراني، بالمجان، إلى لبنان لزوم مؤسّسة كهرباء لبنان.
ولم يبقَ مسؤول في "حزب الله" أو جهاز تابع له، إلّا وبنى "خرافات" على هذه المسألة، وعندما نفى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في عبارة "برقية" وجود هكذا حصار، منوّهًا بأنّ "جزءًا من الأزمة التي نعاني منها ناجم عن تردي علاقة لبنان مع الدول العربية"، تعمّد الحزب تجاهل ذلك، وواظب على ترداد مقولاته نفسها، من دون أن تفوته الإشارة الى أنّ هناك مسؤولين لبنانيّين "تُرعبهم واشنطن".

ولكنّ الضربة الموجعة التي تعرّضت لها صدقية الحملة الدعائيّة التي صرف عليها "حزب الله" المال والمجهود أتت من إيران نفسها.
وفي لقاء مع طلّاب من جامعات الطب الإيرانيّة، في الثالث والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وجد المتحدث باسم الحكومة الإيرانيّة علي بهادري جهرمي نفسه مضطرًّا إلى نسف دعاية "حزب الله"، فنفى أمام طلّاب يشتكون من حرمانهم وشعبهم من الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة في مقابل توزيع ثروات البلاد على تنظيمات ودول خارجيّة، أن تكون إيران في وارد منح لبنان نفطًا بالمجّان.

وكلام هذا المسؤول الإيراني يتطابق مع واقع الحال، إذ إنّ إيران، في الواقع، تعرض على لبنان صفقة تجاريّة بأسعار منخفضة، لتشجّعه، من موقع غير المحاصر، على أن ينضم الى الدول التي تخرق الحصار الأميركي المفروض عليها، ولكنّ المسؤولين اللبنانيّين لم يجدوا ذلك ملائمًا لأسباب كثيرة تبدأ من العواقب الدوليّة لخطوة مماثلة، وتمر بعدم حاجة لبنان إلى هذا النفط المرتفع التكلفة السياسيّة، وتصل إلى أنّ مواصفات الفيول الإيراني لا تتطابق والمواصفات التي تحتاج إليها معامل إنتاج الكهرباء في لبنان.

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني أن "إرسال الوقود المجاني إلى لبنان ليس مطروحاً"، مشيراً إلى أن طهران أجرت مباحثات مع الحكومة اللبنانية حول الطاقة، ومعرباً عن أمله أن تؤدي هذه المباحثات إلى مساعدة لبنان في تأمين احتياجاته.

بطبيعة الحال، لم يجد "حزب الله" ضرورة للتعليق على هذا النفي الإيراني "الصاخب"، فأهمّ شرط من شروط البروباغندا أن تتجاهل الحقيقة عندما تَسطَع، فهي مثلها مثل الشمس بالنسبة للخارجين من غرف محكمة الظلام، لا يمكن مواجهتها إلّا بعيون...مغلقة!

وكان قد سبق هذا الملف الإيراني ملف آخر، وهو استقدام الغاز من مصر الى لبنان لزوم انتاج الكهرباء وتزويد لبنان بالكهرباء من الأردن.
وقد تعهّدت الولايات المتحدة الأميركية أن تمنح لبنان والأردن ومصر استثناءات من الإلتزام بـ "قانون قيصر" المعمول به ضدّ النظام السوري، من أجل هذا الغرض، بمجرّد أن يُنهي البنك الدولي الذي يموّل هذا المشروع، اتفاقه ذا الصلة مع الحكومة اللبنانيّة.

وأصرّ "حزب الله" على التعاطي مع عدم وصول الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة على أنّه نتاج الحصار الأميركي المفروض على لبنان.
وحفلت خطابات مسؤولي الحزب وأدبيات أجهزته بحبك القصص حول هذه "النغمة" حتى ذلك اليوم الذي اضطر فيه لبنان، بضغط من البنك الدولي، إلى النطق بالحقيقة المناقِضة كليًّا لدعاية "حزب الله"، إذ اتضح، بما لا يقبل الشك، أنّ لبنان، وبفضل حليف "حزب الله" الأساسي في لبنان، أي رئيس "التيّار الوطني الحر" جبران باسيل، لم يستطع أن يلتزم بتعهده الأوّل، أي تشكيل اللجنة الناظمة لقطاع الكهرباء في لبنان، وتأخّر كثيرًا للإلتزام بتعهده الثاني، رفع تعرفة الكهرباء.
ووفق مسؤولي البنك الدولي، فإنّ أيّ دولة لن تجد من يموّل لها قطاع الكهرباء إلى دائم الدهور، ولذلك فكل مساعدة يجب أن تترافق مع خطة مستقرة من شأنها أن تعين الدولة نفسها على توفير ما يلزمها، عندما ينقضي زمن المساعدة.
وهذا ما تقاعس عنه المسؤولون اللبنانيّون، في زمن "الرئيس المقاوم" ميشال عون.

أمّا الملف الثالث الذي وضعناه على "جدول أعمال" هذه المقالة، فهو الكلام الذي أطلقه، أمس السبت مرشد الجمهوريّة الإسلامية علي خامنئي إذ قال إنّ بلاده أفشلت في لبنان وسوريا والعراق "مخطط أميركا الهادف الى ضرب العمق الإستراتيجي لإيران" منوّهًا بالدور "البارز" الذي لعبه في ذلك قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، معلنًا “أننا سنواصل دعمنا لقوات المقاومة في المنطقة ولبنان وفلسطين”.

وكلام خامنئي الذي يعتبره "حزب الله" الولي الفقيه "الواجب الطاعة" وسبق أن أعلن نصرالله أنّه "مجرّد جندي" في جيشه، يعني أنّ إيران تُدرج لبنان في خانة عمقها الإستراتيجي وأنّ ما حصل فيه ويحصل هو نتاج سياستها "الفاعلة" ودخولها العسكري التوجيهي المباشر من خلال "الدور البارز" الذي لعبه سليماني حتى اغتياله.

لا جديد في هذا الموقف، فاللبنانيّون وجميع المعنيّين بلبنان يعرفونه بشكل ممتاز، ولكنّ أهميته المتجدّدة تكمن في أنّه يأتي ليضرب بروباغندا "حزب الله" في معركة تنصيب رئيس يناسبه في القصر الجمهوري اللبناني.

ومنذ مدّة، يركّز "حزب الله" على القوى المناوئة له ويسخر من "سياديتها" وينسب إلى نفسه أنّه يعمل ويضحّي من أجل سيادة لبنان "حصريًّا"، ويحاول أن يقنع الرأي العام بأنّ لبنان هو المستفيد من الدعم الإيراني له، وليس العكس.

موقف خامنئي الحاسم، أسقط هذه الدعاية السياسيّة وأظهر، مجددًا أنّ "حزب الله" ليس سوى ذراع في حروب إيران وصراعاتها، وهو، من أجل إيران، يضحّي بلبنان ويحوّله الى متراس متقدّم في جبهتها الواسعة جدًّا.

وموقف الخامنئي هذا لا يعني بالنسبة للبنانيّين سوى أنّ الرئيس الذي يسعى إليه "حزب الله" هو الرئيس الذي من شأنه أن يكون عنصرًا فاعلًا في عجلة "السياسة الإيرانيّة".

ويدفع لبنان غاليًا ثمن هذه السياسة، إذ أنتحت تراجعًا دراماتيكيًّا، في العلاقات "الذهبيّة" مع دول تستهدفها إيران، مستخدمة بين القوى التي تستخدمها "حزب الله.

البروباغندا التي يتوسّلها "حزب الله" تستحق الدراسة، ليس لأنّها ناجحة، بل لأنّها، على الرغم من وضوح زيف الوقائع التي تعتمد عليها، قادرة على فرض نفسها، نظرًا لوقوف قدرات الترهيب والترغيب وراءها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف