جريدة الجرائد

تحديات ما بعد الانتخابات التونسية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

د. محمد السعيد إدريس

وضعت نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس يوم السبت الماضي البلاد أمام مفترق طرق شديد الصعوبة بين الاستقرار وعدم الاستقرار. فهذه الانتخابات هي بمثابة الختام لما احتوته &"خريطة الطريق&" التي انتهجها الرئيس التونسي قيس سعيّد، للتأسيس لعملية سياسية بديلة للسنوات العشر، التي هيمنت فيها حركة النهضة التونسية ذات التوجه الإسلامي على مجمل السياسة والحكم في تونس عقب الثورة التونسية.

بدأت العملية السياسية للرئيس التونسي قيس سعيّد بتجميد عمل البرلمان، الذي كانت تسيطر عليه حركة النهضة وإعفاء رئيس الحكومة من منصبه، بعدها قرر حل البرلمان رداً على عقد البرلمان جلسة عامة افتراضية صوت خلالها لصالح إلغاء ما أسماه ب &"الإجراءات الاستثنائية&" التي اتخذها. بعدها بدأ في طرح حوار وطني لصياغة دستور جديد للبلاد جرى التصويت عليه وسط انقسامات حادة بين الحكم والمعارضة حول &"شرعية هذا الدستور&" بسبب ما اعتبرته المعارضة &"تدني نسبة المشاركة الشعبية في الاستفتاء على الدستور التي وصلت إلى 27%&" حسب إعلان الهيئة العليا للانتخابات.

وجاءت الانتخابات التشريعية بنتائجها المتواضعة جداً هذه المرة، التي لم تتجاوز 10% وفقاً لأرقام الهيئة العليا للانتخابات أيضاً لتفاقم من &"أزمة الشرعية&" التي تواجه الحكم في تونس الآن. فهذه الانتخابات التي جاءت كخطوة تكميلية لإقرار الدستور الجديد، ووفقاً لقانون الانتخابات الجديد، أعطت للمعارضة سواء في حركة النهضة أو في &"جبهة الخلاص الوطني&" التي تضم تحالفاً من أحزاب المعارضة فرصة الانقضاض على سلطة الرئيس قيس سعيّد والمطالبة بإسقاطها، استناداً إلى اعتبار ضعف التصويت الشعبي في الانتخابات قراراً شعبياً بنزع الشرعية عن الرئيس ودعوة لإسقاط العملية السياسية بأكملها.

مطالب المعارضة ليست جديدة؛ فهي بكافة أجنحتها تتوافق على مطلب محدد هو &"إسقاط النظام&". ولو قارنا بين مطالب المعارضة عقب الاستفتاء على الدستور ومطالبها عقب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية سنجدها نفس المطالب، وهي أيضاً نفس مطالب المعارضة قبل أقل من أسبوع من إجراء هذه الانتخابات، ما يعني أن موقف المعارضة ومطالبها ليست لها علاقة بالنتائج المتواضعة للانتخابات، وأنها موقف محدد من سلطة الرئيس سعيّد وقراراته الاستثنائية التي أسقطت حكم حركة النهضة.

في العاشر من ديسمبر/ كانون أول الجاري نظمت المعارضة التونسية مظاهرتين لتحفيز الشعب لعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع الأولى نظمتها &"جبهة الخلاص الوطني&" بزعامة أحمد نجيب الشابي التي تسيطر عليها حركة النهضة، والثانية نظمتها خمسة أحزاب هي &"العمال&" و&"الجمهوري&" و&"التيار الديمقراطي&" و&"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات&" و&"القطب&"، والشعارات التي رفعت خلال هاتين المسيرتين ركزت على مناشدة التونسيين &"ألا يذهبوا إلى الاقتراع&"، وأن &"يقاطعوه بالكامل&"، كما رفعوا شعار &"الإنقاذ&" كهدف للخلاص لما يسمونه ب &"الانقلاب&".

وبعد ظهور النتائج المتواضعة للانتخابات طالبت &"جبهة الخلاص الوطني&" الرئيس سعيّد بالاستقالة من منصبه، قائلة إنه &"فقد شرعيته بعد الانتخابات&"، ودعت الجبهة إلى &"احتجاجات واعتصامات حاشدة للمطالبة بانتخابات رئاسية جديدة&"، واعتبر زعيم هذه الجبهة أحمد نجيب الشابي تلك النتائج بأنها &"زلزال&"، وأوضح أن ضعف نسبة التصويت الانتخابي بمثابة دعم شعبي لمطالب المعارضة ورفض للرئيس وشرعيته.

مثل هذا الاستنتاج ليس كل الحقيقة، وأن عزوف الشعب التونسي عن المشاركة في التصويت الانتخابي، إن كان رفضاً للنظام، وليس تأييداً للمعارضة بل هو رفض للمعارضة قبل رفض النظام، كما أن ضعف التصويت له أسبابه الأخرى المباشرة وأبرزها قانون الانتخابات الجديد الذي غيَر وللمرة الأولى من طبيعة عملية الانتخابات من انتخاب بين كتل وقوائم انتخابية إلى انتخاب بين الأفراد.

وهذا ما حاول أن يوضحه فاروق عسكر رئيس هيئة الانتخابات التونسية، الذي أرجع الفتور الشعبي عن المشاركة في الانتخابات بأنه يرجع لغياب &"ماكينات حزبية واستعمال الموارد العمومية ووسائل الإعلام&".

وإذا كانت المشكلة تزداد تعقيداً في الداخل التونسي، فإن فتور الموقفين الأمريكي والأوروبي من هذه الانتخابات سواء برفض البرلمان الأوروبي المشاركة في مراقبة الانتخابات، أو مطالبة وزارة الخارجية الأمريكية تونس ب &"تبني إصلاحات شاملة وشفافة&"، يفاقم من الأزمة السياسية التونسية ويطرح تساؤلات كثيرة حول خيارات ما بعد إجراء تلك الانتخابات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف