أوروبا وخطر اليمين المتطرف الداهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تعرَّض مركز للجالية الكردية في العاصمة الفرنسية باريس إلى اعتداء من قبل رجل يتبنى أفكاراً يمينية معادية للمهاجرين والأجانب راح ضحيته ثلاثة أبرياء. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدان الهجوم وعبَّر عن تضامنه مع الجالية الكردية في فرنسا، وما إن حدث الهجوم حتى شهدت باريس مواجهات عنيفة بين متظاهرين غاضبين وعناصر الأمن الفرنسية. وزارة الداخلية الفرنسية أكدت أن الهجوم جاء لأسباب عنصرية ولكنها لم تصنفه باعتباره عملاً إرهابياً، وهذا ما أدى إلى مزيد من الغضب في صفوف الأكراد، لكن بعيداً عن جدل التصنيفات فإن هذا الهجوم يمثل إنذاراً خطيراً للقارة العجوز باعتبار اليمين المتطرف أصبح خطراً حقيقياً على الدول والمجتمعات الغربية حتى وإن تجاهلته خلال السنوات الماضية. شكل الدولة الحديثة الأوروبية كان نتيجة تحجيم اليمين الشعبوي والفاشية والنازية لأن هذه التيارات التي حكمت أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين لم تكن وبالاً على الأقليات وحسب وإنما أدت إلى نشوب حربين عالميتين ودمرت بلداناً بأكملها ولم تشهد أوروبا السلام والأمن والازدهار إلا عندما تخلت عن تلك الأيديولوجيات وانتقلت إلى شكل الدولة الحديثة التي تؤمن بالمواطنة وبالتعدد الديني والمذهبي والعرقي والسياسي. ومع ذلك فإن الأفكار اليمينية لم تمت بل بقيت كالجمر تحت الرماد واختبأت هناك في زوايا الشخصية الأوروبية الحديثة تنتظر الفرصة المناسبة حتى تظهر من جديد. بل إنها حتى في ذروة عنفوان الدولة الأوروبية الحديثة كانت تظهر في تشكيلات فنية وسياسية واجتماعية ولكن سرعان ما تجد من يقاومها ويكبتها. مع منتصف التسعينات وظهور العولمة الاقتصادية والتقنية كانت ردة فعل المجتمعات الأوروبية العودة إلى الهوية الوطنية عبر رصيدها التاريخي من الأفكار اليمينية، وهنا بدأت تلك الأفكار تطل برأسها من جديد، ولكن مع ذلك كان التيار أقوى منها وبقيت أحزاب اليمين الشعبوي معزولة، ولكن الأفكار اليمينية المتطرفة وجدت مشروعيتها عندما تم تبنيها من قبل سياسيين ينتمون إلى الأحزاب التقليدية مثل ساركوزي في فرنسا أو برلسكوني في إيطاليا. منذ ذلك الحين واليمين الشعبوي ينمو بشكل مضطرد في القارة العجوز عبر شكلين: الأحزاب التقليدية كحزب الجبهة الوطنية في فرنسا والحرية في النمسا والبديل في ألمانيا وغيرها. أو عبر تجمعات غير رسمية مثل النازيين الجدد ومواطني الرايخ وغيرها، لكن الأسوأ كان نمو الأفكار اليمينية. وبالتالي تلك الأفكار تجد من يتبناها دون أن يكون منتمياً حزبياً، وهذا ما حدث مع الرجل الذي قام بالاعتداء الأخير في باريس. هذا النمو كان له أسباب كثيرة منها انتشار خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا في كثير من وسائل الإعلام الأوروبية ووصول اليمين الشعبوي للحكم في أكثر من دولة وتعرض أوروبا للعديد من الهجمات الإرهابية من قبل داعش وغيرها من التنظيمات الراديكالية، كما أن أجهزة الأمن كانت تركز على التنظيمات الإسلامية الراديكالية وأهملت اليمين المتطرف، فكانت ترجمة تلك الأفكار اليمينية المتطرفة إلى أفعال عنيفة هي مسألة وقت لا أكثر. خطر اليمين المتطرف لا يمس المهاجرين والأجانب ولكنه يمس بشكل أساسي الدولة الأوروبية الحديثة وقيمها وأسس وجودها.