«خليجي 25» .. منتجات تجارية واحتفاء برموز رياضية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كثير من الأمصار في الشرق الأوسط تلقب بالفيحاء، إلا أنني أظن أن مدينة البصرة الواقعة في جنوب العراق تستحق بجدارة هذا اللقب البهيج. والبصرة مدينة شيدها عتبة بن غزوان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في العام الـ 14 للهجرة عند نهري دجلة والفرات، حيث يشكل لقاؤهمها شط العرب الذي يصب في الخليج العربي. ومن البصرة خرجت أهم الحركات الفكرية والمدارس اللغوية التي صبغت التاريخ العربي والإسلامي إلى يومنا هذا.
إن قسنا أهمية الأمصار بعدد علمائها وكثافة مدارسها الفكرية، فإن قصب السبق قد تستحقه البصرة وبجدارة.
وحال أن يلقي قرائي نظرهم على هذا المقال، تكون بطولة كأس الخليج الـ 25 قد قرعت أجراسها في البصرة. وما يثلج الصدر هو أن أهل البصرة وأهل العراق على معرفة بعزوف أي بلد أو مدينة خليجية أخرى عن منافسة ترشيح الفيحاء لاستضافة البطولة لكي يمنحوها هذا الشرف الكبير.
هذه مقدمة كان لا بد منها، على الرغم من أنها قد تبدو خارج السياق لدى بعض القراء، لأن الموضوع الذي أنا في صدده يتناول "كرة القدم". وعن أي كرة قدم سأتحدث؟ لن يكون مقالي عن كيف تعشق الشعوب هذه الساحرة المستديرة وعن التقاليد والطقوس التي تتبعها الشعوب المختلفة وهي تجري خلف كرة صغيرة وكأن في لمسها أو القرب منها أو ركلها سحرا يشفي الغليل.
وأنا أراقب ما يحدث في البصرة لم ألمس ـ قدر الوقت الذي أمضيته في القراءة والمشاهدة ـ أن الجماهير التي تستعد للبطولة هذه تحتفي برموز رياضية أو منتجات تجارية عليها أسماء أو ألقاب أبطال يتقاضون رواتب خيالية.
ليس هناك مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي لكي يستأثر باهتمام الجماهير العراقية والسعودية والإماراتية والقطرية والعمانية والبحرينية واليمنية التي تقاطرت زرافات إلى البصرة.
ما لمسته كان الكرم العربي في أبهى حلته، حيث أدهش أهل البصرة العالم وأهلهم في الخليج بفتح قلوبهم أولا، ومن ثم فتح بيوتهم ومطاعمهم وفنادقهم ومضائفهم لاستقبال أحبائهم في الدول الخليجية الأخرى. وما تقدمه البصرة هو درس جديد في كيفية اللعب مع الساحرة المستديرة ليس بالأقدام، بل في كيفية مداعبة القلوب والعقول، وكيف أن الجماهير التي حطت في ربوعها شكلت شعبا واحدا لا تميزه، لونا ولغة وثقافة وكرما.
في البصرة، تترك كرة القدم انطباعات أبعد بكثير عما يرافق سحرها وسلبها الألباب وأبطالها يظهرون مهارات فائقة في ركلها ومداعبتها والرقص معها.
أهل البصرة، كما كان شأنهم طوال التاريخ، اتخذوا من الساحرة المستديرة وبطولة الخليج العربي فرصة لإظهار مهاراتهم في انتقاء المفردات بعناية للتعبير عن فرحتهم بوجود أشقائهم من دول الخليج العربية الأخرى بين ظهرانيهم.
وأنت تراقب ما يبثه النشطاء، إن من البصرة أو من الآلاف المؤلفة من العرب الذين وصلوها للمشاركة في هذا العرس الرياضي الجميل، ترى وكأن المدينة في مهرجان الواسطي ـ الشاعر العربي الفذ ـ الذي تتبارى كل من الكوفة والبصرة في تبنيه.
هناك شعر وأدب ونثر وغناء وموسيقى تطرب الآذان وتأخذ الألباب يؤديها ليس فقط الشعراء والفنانون ـ الذين أبدعوا في استقبال أشقائهم ـ بل حتى الأطفال الصغار في الأزقة للفرحة العامرة التي غمرتهم وهم يشاهدون أشقاءهم العرب يجوبون شوارع الفيحاء وكأنهم في بيوتهم، وهم كذلك.
ترى أشقاء البصرة من دول الخليج في منتهى الشكر والعرفان والامتنان وهم يشاهدون بأم عيونهم ويلمسون بحواسهم حب أهل العراق لأشقائهم العرب، فيزيدون في كيل المديح لمستضيفيهم. إنها، في رأي، استدارة لا يجوز أن تفوت أصحاب الشأن في دول الخليج العربية، وأنها رسالة إلى العرب في الخليج أن قلب وعقل وعيون أهل العراق والبصرة بالذات تميل صوبهم وليس صوب أي مكان آخر، وأنهم في أحر من الجمر لقدومهم واستثماراتهم لجعل البصرة لؤلؤة الخليج العربي كما كانت في عز مجدها.
أملي ألا يكون مهرجان العروبة أو الوحدة العربية هذه حدثا آنيا أو شعلة تنطفئ حال انتهاء البطولة.