هل من مصلحة العرب أن تربح روسيا الحرب على أوكرانيا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكن القول إن الحرب الروسية على أوكرانيا، بصرف النظر عن مسبباتها، هي اعتداء موصوف على سيادة دولة مستقلة، كانت تتمتع قبل الغزو الأول لجزيرة القرم وبعض أجزاء منطقة الدونباس شرقي البلاد عام 2014 ولا تزال باعتراف الشرعية الدولية بحدودها الدولية وأمنها.
والأخيرة تضمنها من الأساس معاهدة بودابست لعام 1994 التي سلّمت أوكرانيا إثر انهيارالاتحاد السوفياتي بموجبها الأسلحة النووية التي كانت موجودة على أراضيها لحظة انهياره، وانضمت إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لقاء حصولها على ضمانات دولية لأمنها وقّعتها كل من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة وبريطانيا في مؤتمر خاص عقد في العاصمة المجرية بودابست. ومع ذلك، عملت موسكو بعد تولي فلاديمير بوتين السلطة على تقويض أمن أوكرانيا وسيادتها في سياق محاولة لإعادة كتابة التاريخ الروسي بمقاربة إمبراطورية وتوسعية ذات بعد عنصري وثيولوجي، وهذا ما شكل أساس غزو روسيا بقيادة بوتين شبه جزيرة القرم ومقاطعات الدونباس شرقي البلاد عام 2014، بذريعة إعادة القرم إلى أرض روسيا التاريخية، وحماية السكان الأوكرانيين الذين يتحدثون الروسية في شرقي البلاد، ما اعتبره بوتين محاولة الإبادة من سلطات كييف التي كانت تنفذ آنذاك محاولة لإعادة التموضع في اتجاه الغرب، مبتعدة من فلك موسكو وروسيا سياسياً وثقافياً.
طبعاً ثمة مقدمات أخرى للحرب الحالية التي شنتها موسكو ضد أوكرانيا، لكنها تبقى ضمن سياق محاولة حثيثة من قبل الرئيس الروسي قراءة التاريخ قراءة مغايرة للوقائع التي نشأت بسقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989، فضلاً عن محاولة وقف الانكفاء الموضوعي للمشروع الروسي الإمبراطوري الذي فقد معظم جاذبيته في محيطه الحيوي منذ انهيار "الإمبراطورية" السوفياتية وتفككها، ونشوء جمهوريات مستقلة على أنقاضها من وسط آسيا إلى القوقاز وصولاً إلى أوروبا الشرقية.
عندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط (فبراير) الماضي، تميز موقف معظم الدول العربية الرئيسية بالحذر والتروي في اتخاذ موقف من موسكو.
وبالرغم من وضوح العدوان الروسي على أوكرانيا، آثرت تلك الدول العربية المركزية أن تتخذ مواقف وسطية من هذا الصراع الذي سرعان ما ظهر أنه صراع بين معسكرين دوليين، هما روسيا والصين وحلفاؤهما من جهة، والغرب بزعامة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
ولم يمض وقت طويل حتى تبلور موقف عربي عابر للدول والكيانات الرئيسية، اختار نوعاً من الحياد تجاه صراع دولي خطير، حيث أملت الظروف المستجدة على صعيد العلاقات العربية - الغربية التي طرأت في الأعوام الأخيرة، لا سيما بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي ومعها مصر، أن الانحياز الآلي للغرب كان الموقف الأفضل في ظل تراجع الثقة العربية بصلابة التزام الولايات المتحدة بحماية مصالح حلفائها وأمنهم القومي والإقليمي، وذلك منذ نفذت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما تحولاً استراتيجياً باعد بين واشنطن وحلفائها التاريخيين في المنطقة. وتجلت المشكلة في مواقف إدارتي أوباما وبايدن من هواجس حلفائها إزاء الهرولة الأميركية نحو طهران تحت عنوان الاتفاق النووي لعام 2015، ثم من خلال رفض واشنطن الأخذ بعين الاعتبار هموم شركائها العرب الأمنية إزاء تدخلات طهران في المنطقة والاعتداءات المتكررة على أمنها القومي.
في الأثناء أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لجميع دول المنطقة، كما أن موسكو استطاعت أن تخترق نوعاً ما الحرم الأميركي الشرق أوسطي الذي كان مفروضاً عليها بسبب الأخطاء الأميركية المتمادية في إدارة علاقاتها مع حلفائها التاريخيين الذين آثروا إجراء تحول نحو موقف أكثر توازناً في علاقاتهم مع القوى الدولية الكبرى مثل الصين وروسيا، ومجموعة دول "البريكس". هكذا صارت الدول العربية أكثر اتزاناً في مقاربتها لعلاقاتها الخارجية، وأقل اندفاعاً نحو الانخراط في تحالفات دولية حصرية. هذا التحول الكبير في المقاربة العربية للعلاقات الدولية هو ما منحها هوامش كبيرة للتحرك وسط المواجهة التي نشبت بين معسكرين دوليين مع حرب أوكرانيا. ففيما لم تندفع الدول العربية المركزية نحو مواقف سلبية حاسمة تجاه روسيا، فإنها لم تمنح الأخيرة صك براءة على اجتياح جارتها الأصغر. وتجلى ذلك في تصويت الدول العربية المركزية في الجمعية العامة للأمم المتحدة رفضاً لضم موسكو أراضيَ أوكرانية محتلة إليها. بمعنى آخر أنها قررت أن تكون دولاً فاعلة وذات تأثير في الصراع، وقادرة على التحدث إلى طرفي النزاع. وقد لعبت الدبلوماسية الخليجية دوراً مهماً في عمليات تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، أو في اتفاقيات تصدير القمح من موانئ البحر الأسود.
صحيح أن موسكو معتدية في حربها على أوكرانيا، لكن الصحيح أيضاً أن الغرب مدعو إلى التفكير ملياً بمآل علاقاته مع الحلفاء في المنطقة. والأهم إعادة النظر فيها مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الحلفاء القومية والحيوية. والأهم الأهم أخذ علم بأن نمط التفكير لدى القيادات الجديدة في العالم العربي تغير إلى حد بعيد، ولم تعد معادلة الأمن مقابل النفط وحدها سائدة، بل حلّت مكانها معادلة المصالح مقابل المصالح.
هل من مصلحة العرب أن تنتصر روسيا؟ لا نعتقد ذلك. بل نعتبر أن فكرة إعادة النظر بالحدود التاريخية للكيانات الموروثة عن الاستعمار أو عن النزاعات الكونية الكبرى أمر خطير للغاية. وفلاديمير بوتين إن نجح في فرض قراءته للتاريخ، فإن عهداً من النزاعات الكبرى والخطيرة سيفتح على مصراعيه مهدداً الاستقرار الدولي. إن مصلحة الدول العربية الرئيسية هي الاستقرار وليس النزعات المفتوحة التي يصنعها التقوقع في الماضي، كما هو أمر روسيا بوتين.