جريدة الجرائد

لــغــتــنــا الأم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

يُعد‭ ‬حق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬التنوير‭ ‬وكسب‭ ‬المعارف‭ ‬ونمو‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬والنهوض‭ ‬بالنفس‭ ‬اجتماعياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬وثقافياً،‭ ‬ويرتبط‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقا‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬الأخرى‭ ‬وحرياته‭ ‬الأساسية‭ ‬مثل‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة،‭ ‬العمل،‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬معيشي‭ ‬كافٍ‭ ‬وحريته‭ ‬في‭ ‬التنقل‭ ‬وغيرها‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬تلازمه‭ ‬حريّة‭ ‬ممارسة‭ ‬هذا‭ ‬الحق،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأساسية‭ ‬والتأسيسية‭ ‬يكون‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بحريّة‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائهم‭ ‬وفقاً‭ ‬لقناعاتهم‭ ‬ومعتقداتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬ولايتهم‭ ‬أو‭ ‬وصايتهم‭ ‬عليهم،‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬الفرد‭ ‬بالغاً‭ ‬عاقلاً‭ ‬راشداً‭ ‬تنتقل‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬إليه،‭ ‬كما‭ ‬تشمل‭ ‬حرية‭ ‬الآباء‭ ‬أو‭ ‬الأوصياء‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬مدارس‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬العامة‭ ‬لتعليم‭ ‬أبنائهم‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬عصب‭ ‬أساسي‭ ‬يتماهى‭ ‬مع‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬الثقافية‭ ‬والتي‭ ‬تُعد‭ ‬أكثر‭ ‬الحقوق‭ ‬تشعباً‭ ‬وعمقاً‭ ‬وتعقيداً‭ ‬نظراً‭ ‬لتعدد‭ ‬مفاهيم‭ ‬الثقافة‭ ‬وارتباطها‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الانسان‭ ‬كمخلوق‭ ‬استثنائي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬فهي‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬‮&"‬الإلمام‭ ‬بالفنون‭ ‬والانسانيات‭ ‬والعلوم‭ ‬والتكنلوجيا‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالإنسان‮&"‬،‭ ‬وقد‭ ‬تنصرف‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والكلام‭ ‬واللغة‭ ‬والفعل‭ ‬والمهارات‭ ‬والإنتاج‭ ‬الذهني‭ ‬واليدوي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وتشمل‭ ‬أيضاً‭ ‬قدرة‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬التعلم‭ ‬والتأقلم‭ ‬ونقل‭ ‬وتوريث‭ ‬المعرفة‭ ‬للأجيال‭ ‬اللاحقة‭ ‬والتي‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬منظومة‭ ‬المعتقدات‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬المتوارث‭ ‬من‭ ‬نتاج‭ ‬الشعوب‭ ‬الثقافي‭ ‬الشعبي‭ ‬المادي‭ ‬وغير‭ ‬المادي‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬المأكل‭ ‬والملبس‭ ‬والرقصات‭ ‬والأهازيج‭ ‬والقصص‭ ‬والأساطير‭ ‬والنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬المتعلق‭ ‬بالبحث‭ ‬العلمي‭ ‬وغيرها‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬تولي‭ ‬اهتماماً‭ ‬كبيراً‭ ‬للحقوق‭ ‬الثقافية‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬ومن‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬وتشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مواقف‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الداعمة‭ ‬للثقافة‭ ‬والمشهودة‭ ‬للجميع،‭ ‬والتي‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬شخصياً‭ ‬قد‭ ‬لمستها‭ ‬في‭ ‬احتفاء‭ ‬جلالته‭ ‬بالفن‭ ‬والأدب‭ ‬حين‭ ‬استقبلنا‭ ‬بشخصه‭ ‬كمنظمين‭ ‬لملتقى‭ ‬الأديبات‭ ‬العربيات،‭ ‬وأخرى‭ ‬بالموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬بمناسبة‭ ‬فوز‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬برئاسة‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬للفن‭ ‬الشعبي‭.‬

وعودةّ‭ ‬للغة‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬عنصراً‭ ‬هاماً‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الحقوق‭ ‬الثقافية،‭ ‬وتُشكّل‭ ‬هويّة‭ ‬الانسان‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يغفل‭ ‬أو‭ ‬يتغافل‭ ‬عنها،‭ ‬وإذ‭ ‬تعتبر‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬اللغات‭ ‬العالمية‭ ‬الحيّة‭ ‬وأكثرها‭ ‬جمالاً‭ ‬وسهولة‭ ‬وإحصاناً،‭ ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬ولغة‭ ‬الشعر‭ ‬التي‭ ‬خلّدتها‭ ‬المعلقات‭ ‬الشعرية‭ ‬والشعراء‭ ‬العظماء،‭ ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬الدولة‭ ‬الرسمية‭ ‬وفقاً‭ ‬لنص‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬دستورها‭. ‬

وهنا‭ ‬تتقاطع‭ ‬عندي‭ ‬أهمية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وحرية‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائهم‭ ‬وبخاصة‭ ‬لدى‭ ‬من‭ ‬قدّموا‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائهم‭ ‬فأضاعوا‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬وفوّتوا‭ ‬عليهم‭ ‬التمتع‭ ‬بجمال‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يتوجب‭ ‬استدراكه‭ ‬بضرورة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الأصل‭ ‬مع‭ ‬الاستزادة‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬بتعلّم‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭ ‬أخرى‭ ‬وكلما‭ ‬ازدادت‭ ‬المعرفة‭ ‬زاد‭ ‬أفق‭ ‬وثقافة‭ ‬الأبناء‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ (‬وأكرر‭ ‬ضرورة‭) ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأصل،‭ ‬أوَ‭ ‬ليس‭ ‬النبي‭ (‬ص‭) ‬يقول‭ (‬من‭ ‬تعلّم‭ ‬لغة‭ ‬قوم،‭ ‬أمن‭ ‬مكرهم‭)!‬

والحديث‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬واللغة‭ ‬باعتبارها‭ ‬أحد‭ ‬روافدها،‭ ‬حرّضني‭ ‬عليه‭ ‬سعة‭ ‬أفق‭ ‬وشغف‭ ‬امرأة‭ ‬بحرينية‭ ‬فاضلة‭ ‬كرّست‭ ‬نفسها‭ ‬ووقتها‭ ‬وجهودها‭ ‬نحو‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالثقافة‭ ‬وحملت‭ ‬رسالة‭ ‬التنوير‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬موقعها‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬منصب‭ ‬كانت،‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬معالي‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬مركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬للثقافة‭ ‬والبحوث،‭ ‬التي‭ ‬احتفلت‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬مع‭ ‬الأحبة‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والمهتمين‭ ‬بمضي‭ ‬واحد‭ ‬وعشرين‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬المركز‭ ‬واستذكرت‭ ‬نتاجه‭ ‬ومنجزاته‭ ‬طوال‭ ‬الأعوام‭ ‬الفائتة‭ ‬وتطلعاتها‭ ‬للأعوام‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬بهيّ‭ ‬وأنيق‭ ‬لملم‭ ‬شمل‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وجمع‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬تحت‭ ‬ظلّ‭ ‬نبضٍّ‭ ‬يُردد‭ (‬كل‭ ‬عام‭ ‬والمحبة‭ ‬عنوان‭).‬

وهي‭ ‬التي‭ ‬كرّرت‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الثقافة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الكبير‭ ‬هي‭ ‬رافعة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وصدقت‭ ‬فإنها‭ ‬كذلك،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬المفهوم‭ ‬الشاسع‭ ‬للثقافة‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬وصفه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬وباعتبار‭ ‬تغلغلها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الأمم،‭ ‬وأيضاً‭ ‬لأنها‭ ‬تعلم‭ ‬بأن‭ ‬اللغة‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسس‭ ‬الثقافة،‭ ‬فقد‭ ‬قرنت‭ ‬احتفالات‭ ‬ذكرى‭ ‬التأسيس‭ ‬بالإعلان‭ ‬عن‭ ‬جائزة‭ (‬لغتنا‭ ‬الأم‭) ‬التي‭ ‬تنتصر‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬بتسليط‭ ‬الأضواء‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬محبيها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬نشاط‭ ‬مرتبط‭ ‬بها‭ ‬يرتقي‭ ‬باللغة‭ ‬ويسبر‭ ‬أغوارها‭ ‬ويسلك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يزل‭ ‬بِكراً‭ ‬من‭ ‬طرقاتها‭ ‬ويخرج‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭.‬

تحية‭ ‬تقدير‭ ‬لمعاليها‭ ‬ولكل‭ ‬من‭ ‬يعتزّ‭ ‬بهويته‭ ‬وبلغته‭ ‬ولكل‭ ‬من‭ ‬يعي‭ ‬أهمية‭ ‬ودور‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالشعوب‭ ‬والأوطان‭. ‬

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف