أمن الطاقة في خطر.. وأوبك بلس صمام الأمان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عندما سأل أحد المعلقين قبل أيام وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن رؤيته لأثر العقوبات والحظر على النفط الروسي، وكذلك نقص الاستثمارات بالوقود الاحفوري رد عليه بأنه يخشى أن يحدث نقص بإمدادات الطاقة عموماً وليس النفط والغاز فقط عند الحاجة الماسة لها، وفي الحقيقة فإن العام الماضي ومنذ اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا ظهر الخلل الكبير بأمن الطاقة العالمي والذي جاء نتيجة أخطاء إستراتيجية من كبار المستهلكين بأوروبا تحديداً في بناء مزيج الطاقة لديهم، حيث استعجلوا الاتجاه للطاقة المتجددة وقلَّصوا الاستثمار بالطاقة التقليدية وبذات الوقت كان اعتمادهم مفرطاً على الغاز الروسي وعند إعلانهم للعقوبات ظهرت المشكلة بتسارع كبير وقفزت تكاليف الطاقة لعدة أضعاف بفترة وجيزة جداً ورغم كل التحركات التي قاموا بها مع أميركا لتدبير أمر أمن إمدادات الطاقة إلا أنهم كان مرتبكين واضطروا للتخلي عن قرارات اتخذوها لتقليل الانبعاثات الكربونية ومنها وقف استخدام الفحم الحجري وهو ما اضطرهم للعودة لاستخدامه مع اتجاه لضخ استثمارات بالنفط والغاز وهو ما أثار انتقادات واسعة لكل شعاراتهم السابقة وتوجهاتهم لتحميل الوقود الأحفوري مسؤولية الإضرار بالمناخ مما وضعهم في موقف لا يحسدون عليه وأضعف حجتهم دولياً.
لكن ما يعني الاقتصاد العالمي اليوم ماذا سينتج عن التخبط الكبير بالتعامل مع ملف النفط والغاز الروسيين فلم تفلح أي عقوبات بوقف الحرب أو بتقديم موسكو لأي تنازل، بل تكيَّفت مع ظروف العقوبات وصدرت نفطها وغازها المحظور أوروبياً وأمريكياً لأسواق جديدة في آسيا تحديداً، بل من المفارقات المضحكة أن المشتقات التي تنتج عن تكرير النفط الروسي الذي تشتريه دول آسيوية يصدَّر لدول تفرض حظراً على نفط وغاز روسيا أي الدول الأوروبية حسب ما ينشر بوسائل الإعلام العالمية وكذلك مواقع مختصة بالطاقة فقد تشكلت شبكات تجارة دولية لتلك المشتقات على ما يبدو ومن الواضح أنها تحقق لهم أرباحاً مجزية وبذلك فشل الحظر والعقوبات على روسيا وسلعها وبقيت مصادر التمويل قائمة لحربها واقتصادها فإذا ما اضطرت الدول الأوروبية وأميركا لتوسيع دائرة الحظر لتشمل أي مشتقات تأتي من دول آسيوية أو التي باتت سوقاً للنفط الروسي فإن ذلك يعني على الأقل نظرياً تخفيض موسكو لإنتاجها النفطي الذي لن يجد له مشترياً وهو ما سيشكّل نقصاً سريعاً بالإمدادات العالمية سيصعب تعويضه في مدة وجيزة وهو أمر مرجح إذا كانت الدول المتحالفة ضد موسكو مضطرة لعمل يقلل موارد روسيا المالية أكثر ولكن بالمقابل سيكون الثمن ارتفاعاً كبيراً بأسعار النفط والطاقة عموماً لأن الطلب لن يقتصر على النفط، بل كل ما يولد طاقة ومع الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالعالم خلال الثلاثة الأعوام الماضية وتراجع الاستثمارات بالطاقة التقليدية إضافة إلى احتمال عودة الطلب الصيني على النفط للارتفاع والمتوقع أن يزيد عن نصف مليون برميل يومياً والتوجه لإلغاء حالة الطوارئ التي أقرت بالكثير من دول العالم لمواجهة تفشي جائحة كورونا وعلى رأس تلك الدول أميركا التي أعلنت أنها سترفع حالة الطوارئ في مايو القادم مما يعني عودة التشغيل الكامل لقطاعات اقتصادية عديدة كالصناعة والسياحة وكذلك الطيران وهو ما سيرفع الطلب على الطاقة وسيؤثِّر على الأسعار ارتفاعاً ولذلك كانت أغلب بيوت المال العالمية تتوقّع سعراً متوسطاً للنفط فوق 100 دولار لهذا العام.
وبقراءة هذا المشهد الدولي وكيف أن الغرب هو من يتسبب بأزمة الطاقة حالياً مما انعكس على اقتصاداتهم وهدد صناعاتهم فإن أوبك بلس تبرز كصمام أمان لسوق الطاقة بما بخصها وهو إمدادات النفط فقد كانت قراراتها دقيقة واقتصادية بحتة فبضخ استثمارات أهم دولها بالنفط والغاز أوجدت طاقات احتياطية جيدة وأيضاً باتخاذ قرارات تضمن توازن السوق كخفض الإنتاج الأخير ساهم بذلك بحفظ استقرار الأسواق دون أي نقص بالإمدادات واستمرار بالاستثمار بهذا القطاع الحيوي كما أن الكميات المخفضة أصبحت أيضاً داعماً لاستقرار السوق ويمكن استخدامها عند الحاجة لها ورغم الزوبعة التي أثارها الغرب وأميركا تحديداً عند إقرار خفض مليوني برميل من قبل أوبك بلس إلا أنهم اقتنعوا وسريعاً أن ذلك كان قراراً بعيداً عن السياسة ولأهداف اقتصادية ويدعم توازن السوق واستقراره ولذلك أصبحت الثقة أعلى بأوبك بلس وأن سياساتها دائماً في صالح الاقتصاد العالمي وتحقق المصلحة للمنتجين والمستهلكين لكن النفط يبقى واحداً من مصادر الطاقة وليس مسؤولاً عنها كاملة، فهناك الغاز والطاقات المتجددة والنظيفة والفحم الحجري، فأمن الطاقة العالمي مسؤولية دولية وليست محصورة بنوع من الطاقة أو بمنتجين محددين كأوبك بلس، فدول هذا التحالف ليست مسؤولة عن أثر اتخاذ الغرب لعقوبات أو إجراءات تقلّص إمدادات الطاقة أو ترفع تكلفتها، فهي تقوم بواجبها تجاه سوق النفط ولها مصلحة كبيرة باستقراره وتوازنه لأنها تستثمر بهذه الصناعة على المدى الطويل وتضخ أموال هائلة تنعكس بدعم نمو الاقتصاد العالمي.
العالم يشهد تقلبات اقتصادية عير مسبوقة ويتصدر المشهد بالتأثير على الاقتصاد الأحداث الجيوسياسية إلا أن أمن الطاقة أصبح على المحك وخطط الغرب باتت غير مقنعة وهو ما جعلها تتراجع عن قرارات سبق ذكرها وحتى لو كانت مؤقتة ظاهرياً لكنها مع مرور السنوات القادمة سيتم استيعابها ضمن تعديلات نظرتهم لمزيج الطاقة، لكن هذه التناقضات سيبقى لها تأثير سلبي يحد من ضخ شركات النفط لديهم أي استثمارات ضخمة بالنفط والغاز وحتى قطاعهم المالي سيبقى متردداً بتمويل تلك الشركات مما يعني أن العالم قد يشهد ارتفاعات بتكاليف الطاقة بكل أنواعها لسنوات، بل قد يكون النفط أقلها ارتفاعاً نظراً لأن أوبك بلس تعمل بمهنية ودراية عالية لتوازن السوق بعكس ما يجري بأنواع الطاقة الأخرى.