عندما خجلتُ من مهاجمة دكتاتوريّة نتنياهو وعنصريّة حكومته!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كنتُ أود أن أغزل من حروفي مقالة هجائيّة ضدّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو وحلفائه اليمينيّين المتطرّفين، فهم ليسوا أعداء فحسب بل يمثّلون كلّ ما أكره في السياسة، أيضًا!
ومقالتي التي كنتُ أود أن تفرض نفسها في زاويتي هذه، لها كثير من المسوّغات، فحكّام إسرائيل، في وقت يجنون فيه على الفلسطينيّين المضطهدين والمظلومين، بدأوا يجنون فيه على شعبهم ودولتهم.
ولكن ما إن باشرتُ الكتابة، بعدما تجمّعت لديّ كلّ المعطيات الموضوعيّة، حتى تراجعت، لأنّ شرور بنيامين نتنياهو وحلفائه المتطرّفين، لم تصل بعد إلى عقْب ما يقوم به حكّامنا وحلفاؤهم.
في لبنان، لم يسعَ المسؤولون إلى إدخال تعديلات على قانون السلطة القضائيّة للتخفيف من تأثيراتها على المسار السياسي، كما تفعل حكومة نتنياهو، بل نسفوا القضاء "عن بكرة أبيه"، وحوّلوه إلى رقعة ممزّقة، وناصروا القاتل والمجرم واللص على الضحيّة والقاضي والمواطن. وهم لم يتعاطوا مع المتظاهرين المعارضين، وفق ما تفترضه القواعد المتفق عليها عالميًا، بل ذهبوا إلى حدود ترهيبهم، وفق منهجية تفوق كلّ وصف. و"بفضل" المنظومة الحاكمة، لم يعد الصراع بين حكومة لها أطماع شخصيّة وعقائديّة ومعارضة لها تطلعات سلطوية وأهداف وطنيّة، إذ نجحت الدويلة التي جمّعت حولها كلّ ثعالب السياسة، في إحكام السيطرة على الدولة وإسقاطها إسقاطًا مريعًا.
وفي سوريا، يكاد المراقب الموضوعي، مهما اشتدّ حنقه على أركان الحكومة الإسرائيليّة، يقول: "ألف صلاة وصوم على بنيامين نتنياهو إذا ما تمّت مقارنته ببشار الأسد".
هذه المقارنة التي تصب لمصلحة نتنياهو لا تقتصر على سلوك الحكومة الإسرائيليّة ضد معارضيها فحسب، بل ضد الفلسطينيّين أيضًا.
وتتشابه هذه المقارنة في الجولة على الدول العربيّة الأخرى، لتصبح أكثر خطورة بمجرّد الوصول إلى إيران، حيث لا تتوقف "إبداعات" النظام في صناعة "الاضطهاد" الذي وصل إلى مستوى إقدام بعض متطرّفيه على تسميم الطالبات في مدارسهنّ، "انتقامًا" من أخواتهنّ وأمهاتهنّ الثائرات.
لا ضرورة للتفصيل، إذ يعرف الجميع الحقيقة المرّة ويطّلعون على حقائقها المخجلة، لحظة بلحظة، في دول نقلت المواطن من حالة الاعتياد على "التعتير" إلى حالة التعايش مع "الذل".
مشكلتنا في ذلك لا تقتصر على الكوارث التي سقطت فوق رؤوسنا فحسب، بل أيضًا في أنّ أنظمتنا أفقدتنا مشروعيّة تقييم العدو، فإذا أردنا التحدّث عن إجرامه صعقنا إجرامنا، وإذا شئنا تحليل التطرّف فيه صفعنا التطرّف المعشّش بيننا، وإذا رغبنا في التحدّث عن إرهابه، زكّمت أنوفنا روائح دمائنا، وإذا تخيّلنا انحرافات دولته أبكانا ركام دولنا التي نقف عليها.
مساكين نحن في التعاطي مع عدوّنا، فمعارضته النشطة جدًّا تأخذنا عبرة لتحشيد الرأي العام لمصلحتها، تقول لهم إنّ حكومتهم تريد تحويلهم إلى ما هي عليه حال اللبنانيّين والسوريّين والعراقيّين واليمنيّين والإيرانيّين، على سبيل المثال لا الحصر.
نحن، بالنسبة للشعب الإسرائيلي، لسنا سوى نموذج سيّئ لا بدّ من أن يبذل أقصى الجهود، حتى لا يصبح مصيره شبيهًا بمصيرنا، وواقعهم مثل مآسينا، ودولتهم كركام دولنا.
كان هذا المشهد كافيًا لأتراجع عن كتابة مقالة تعدّد ارتكابات بنيامين نتنياهو وحكومته، سواء ضد الإسرائيليّين أنفسهم أو ضدّ الفلسطينيّين، وتذكّرت الوصايا والتوجيهات: "ويحك، كيف يمكن أن تنتقد القشة التي في عين أخيك ولا ترى الخشبة التي في عينك"!