أيرلندا البريطانية أم الأوروبية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
احترام اتفاقية السلام في أيرلندا شرط لأي اتفاق تجاري مع بريطانيا"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
أيا كانت المواقف متعارضة حول البروتوكول الذي تمكن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، من التوقيع عليه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، فهذا الاتفاق الذي لا يزال يحتاج إلى مصادقة البرلمان البريطاني عليه، دخل ضمن السجلات التاريخية حقا للعلاقات الأوروبية البريطانية عموما. فهذا البروتوكول، يسهم عمليا في استكمال تنفيذ اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، الذي تم فعليا قبل عامين تقريبا، نتيجة للاستفتاء التاريخي الشهير الذي صوت فيه البريطانيون لمصلحة الانسحاب في 2016. فالجانب الأيرلندي من الاتفاق العام هو الأكثر تعقيدا بين الجوانب الأخرى، لأسباب تتعلق بسيادة المملكة المتحدة، وبضمانات تاريخية أخرى من جانب الولايات المتحدة لاتفاق السلام في إقليم أيرلندا الذي وقع قبل 25 عاما، وأنهى صراعا داميا استمر عقودا من الزمن.
"بروتوكول وندسور" نسبة إلى المنطقة التي تم التوقيع فيها عليه، سيعد نصرا سياسيا لريشي سوناك، يحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، خصوصا في ظل تراجع شعبية حزب المحافظين الذي يتزعمه إلى مستويات تاريخية حقا، كما أنه سيدخل سجلات التاريخ كسياسي "استطاع" أن يحل عقدة أيرلندا، ولو مرحليا، في حين فشل أسلافه في ذلك من تريزا ماس إلى ليز تراس مرورا ببوريس جونسون، الذي وقف معلنا رفضه البروتوكول، حتى قبل أن تنتهي قراءته على الملا. فهذا الأخير يعرف أن تمرير هذا البروتوكول في البرلمان، يعني نهايته السياسية، حيث يسعى بكل قوة للعودة إلى مركز القيادة، على الرغم من أن احتمالات عودته صارت شبه مستحيلة، بعد أن أعلنت لجنة الانضباط في مجلس العموم البريطاني، أنه ضلل البرلمان فعلا كرئيس للوزراء بشأن الحفلات التي جرت في مبنى الحكومة، في وقت حظرت فيه التجمعات لاحتواء وباء كورونا.
لنترك جونسون ومستقبله جانبا، فقد كان من أكثر رؤساء الوزارة إثارة للجدل في التاريخ الحديث حتى بين أنصار حزبه المحافظين. "بروتوكول وندسور" لا يعد انتصارا خالصا للمملكة المتحدة. فقيود التصدير من البر البريطاني إلى جزيرة أيرلندا بقيت حاضرة، وإن تم تخفيفها من قبل الأوروبيين. ولتفسير هذه النقطة، لا تستطيع بريطانيا فصل إقليم أيرلندا الشمالية التابع لها عن جمهورية أيرلندا المستقلة العضو في الاتحاد الأوروبي، لأن الفصل تماما يعني إنهاء اتفاق السلام الأيرلندي الذي ربطه الرئيس الأمريكي جون بايدن، بمستقبل علاقات بلاده مع المملكة المتحدة. من هنا، كان على لندن أن تجد مخرجا ما، يضمن سيادتها بصورة أو بأخرى على إقليمها الأيرلندي، ولا يضرب الاتفاق المشار إليه.
المشكلة الرئيسة التي تواجه ريشي سوناك، حاليا، هي قبول فصيل اتحادي أيرلندي رئيس للبروتوكول، وهذا الفصيل يقف إلى جانب بقاء الإقليم تحت التاج البريطاني بأي ثمن، وخاض حربا حقيقة على مدى عقود مع التيار الجمهوري المناوئ لبقاء الإقليم ضمن المملكة المتحدة، ويسعى إلى ربطه مباشرة بجمهورية أيرلندا. للتيار الاتحادي شروط لا بد أن تنفذ قبل أن يمنح تصويته للبروتوكول في التصويت المقبل عليه في مجلس العموم البريطاني. لكن هذا البروتوكول ليس مثاليا بالنسبة إليهم، ولا لأولئك الذين يريدون تنفيذ "بريكست" حتى لو أدى الأمر إلى "حرب" بريطانية ـ أوروبية، وعلى رأسهم بوريس جونسون، الذي يتحرك الآن لمنع التمرد في البرلمان. وبصرف النظر عن هذه التحركات، تركت الحكومة البريطانية القول الفصل الأخير في الخلافات التي قد تنشأ بعد اعتماد "بروتوكول وندسور" إلى الجانب الأوروبي، بمنح المحكمة الأوروبية العليا الكلمة الأخيرة.
وهذه النقطة على وجه الخصوص، واحدة من أهم النقاط التي ركز عليها قادة حملة "بريكست" منذ 2016. أي أنه لا بد من نزع أي سلطة للمحكمة الأوروبية على البر البريطاني. يضاف إلى ذلك ستكون هناك رقابة على صادرات بريطانيا من جانب الأوروبيين في إطار حماية حدود الاتحاد الأوروبي التي تبدأ من جمهورية أيرلندا. صحيح أن البروتوكول خفف من هذه القيود، لكن الصحيح أيضا أبقى سيادة المملكة المتحدة منقوصة على أقاليمها، وفتح في الوقت نفسه مجالا لا يمكن إغلاقه لخلافات تجارية ورقابية من الطبيعي أن تحدث في المرحلة المقبلة بين الطرفين. هذا البروتوكول فيه من المطبات الكثير، لكنه في النهاية يمكن أن يضيف حالة من الهدوء إلى العلاقات البريطانية الأوروبية التي لا تزال متوترة منذ التطبيق الفعلي لـ "بريكست".
الصراع السياسي حول "بريكست" لا يبدو أنه سينتهي في المملكة المتحدة، خصوصا في ظل تصاعد الأصوات التي تدعو ليس إلى إعادة النظر في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بل إلى الكشف عن المكاسب والخسائر لهذا الانسحاب. لا أحد في بريطانيا يمكنه قلب نتيجة الاستفتاء الشعبي، لكن يمكن أن ينجح أولئك الذين يدعمون وجود المملكة المتحدة ضمن التكتل الأوروبي، في بناء رأي عام مناهض لـ "بريكست" على أساس خسائره والاضطرابات التي أتى بها إلى الساحة. "بروتوكول وندسور" يبقى خطوة جيدة، لكن ليست قوية بما فيه الكفاية لاستكمال معايير "بريكست".