إيران تربط بين الكابوسين اليمني والفلسطيني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يتبيّن مع مرور الوقت أنّ الحوثيين الذين تقف خلفهم “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران استطاعوا تثبيت ركائز حكمهم في صنعاء حيث أقاموا كيانا خاصا بهم اقترب عمره من تسع سنوات. وضعت “جماعة أنصارالله” يدها على العاصمة اليمنية في 21 أيلول &- سبتمبر من العام 2014.
جاء ذلك بدعم كامل من “الشرعيّة” التي كان على رأسها عبد ربّه منصور هادي، السياسي الساذج الذي اعتقد وقتذاك أنّه يستطيع لعب ورقة الحوثيين لتثبيت سلطته في صنعاء. لم يدرك أن “جماعة أنصارالله” سبقته إلى استغلال أحداث “الربيع العربي” مع ما يعنيه ذلك من استفادة، إلى أبعد حدود، من الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على علي عبدالله صالح.
ما مضى قد مضى. صار لإيران موقع في اليمن. كان مشروعها الأصلي يتجاوز صنعاء والحديدة لو لم يوجد من يتصدّى لها في عدن وفي ميناء المخا الإستراتيجي الذي يمكنها من التحكم بمضيق باب المندب، أي بالملاحة في البحر الأحمر وحركة السفن في قناة السويس. معروف من تصدّى للحوثيين ومن يقف خلفهم. معروف من حال دون بقائهم في عدن والمخا ومن أفشل الهجوم على مدينة مأرب وفكّ الحصار عنها بالاعتماد على قوات “العمالقة”، الجنوبيّة في معظمها.
سيبقى الحوثيون طويلا في صنعاء والشمال اليمني وسيبقون مسيطرين على ميناء الحديدة. لا يمكن مقارنة وضع “جماعة أنصارالله” سوى بوضع حركة “حماس” التي استولت على قطاع غزّة منتصف العام 2007 في ظلّ لامبالاة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التي كان، ولا يزال، على رأسها محمود عبّاس (أبو مازن) الذي يبدو أنّ همّه محصور بالبقاء في رام الله.
من الخاسر من بقاء الكيان الحوثي في شمال اليمن ومن سيطرة “حماس” على قطاع غزّة؟
الخاسر في اليمن أهل اليمن الشمالي، خصوصا أهل صنعاء الذين يتمتعون بطبيعة مسالمة والذين يحبون الحياة ويتمسكون بتقاليد وعادات، عمرها مئات السنين، عرفوا المحافظة عليها. لا علاقة لأهل صنعاء بالحوثيين وكلّ ما جاؤوا به من خرافات. أهل صنعاء، في معظمهم، أهل علم، وهم بعيدون عن العنف والسلاح. كلّ ما يسعون إليه هو تربية أولادهم في ظروف طبيعية لا علاقة لها بصرخة الحوثيين “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. عاش أهل صنعاء طويلا مع اليهود الذين كان لديهم حيّهم في المدينة القديمة. ليس ما يشير، تاريخيا، إلى أحداث عنف ذات طابع ديني أو مذهبي في صنعاء. غادر اليهود المدينة تباعا وبهدوء وما زال الذين انتقلوا إلى إسرائيل محافظين على كلّ تقاليدهم اليمنيّة!
متى يفرج الحوثيون عن صنعاء وأهلها؟ لا يهم الأمر أحدا. كلّ المطلوب من “جماعة أنصارالله” التزام الهدوء. هذا ما يفعلونه في هذه الأيّام، علما أنّه لا يمرّ يوم من دون تجنيد المزيد من الأطفال وتدريبهم على السلاح وغسل عقولهم تمهيدا لرميهم في ساحات القتال مستقبلا في معارك لا طائل منها. هل من جريمة أكبر من هذه الجريمة ترتكبها إيران في اليمن؟ هناك اعتداء على كلّ عائلة في صنعاء خدمة لمشروع توسّعي ينفّذ على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة…
السيناريو نفسه ينفّذ في غزّة. ما الفائدة من تحويل القطاع المكتظ بمليوني مواطن فلسطيني إلى سجن في الهواء الطلق؟ هل من أجل بقاء “حماس” في السلطة بعدما حرمت الغزاويين من التمتع بحياة طبيعيّة إثر انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع صيف العام 2005؟
أتاح الانسحاب من غزّة فرصة كي يثبت الفلسطينيون أنّ في استطاعتهم إقامة دولة مستقلة تحترم نفسها وتحترم محيطها. بدل ذلك، عملت “حماس” كلّ ما تستطيع لخدمة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفّة الغربيّة. أطلق أرييل شارون، الذي اتخذ قرار الانسحاب من كلّ غزة وتفكيك المستوطنات، شعار “لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه”. انفرجت أسارير “حماس”. استنفدت الغرض من إطلاق صواريخها. لم يعد من همّ إسرائيلي، أقلّه في المدى المنظور، اسمه غزّة. ليس مهمّا ما يحل بأهلها وما إذا كان أبناء غزّة سيذهبون إلى المدرسة أم لا…
كان في استطاعة الحوثيين البحث عن تسوية ما تسمح لهم بأن يكونوا شركاء في السلطة. لا يستطيع أحد شطب هؤلاء من المعادلة اليمنية، لكنّ الغريب ذلك الإصرار الحوثي على تنفيذ أجندة إيرانية بدل الاهتمام بالمواطن اليمني. تقوم الأجندة الإيرانيّة على تحويل شمال اليمن إلى قاعدة صواريخ ومسيّرات. هدف “الجمهوريّة الإسلاميّة” ابتزاز المملكة العربيّة السعوديّة وكلّ دولة من دول المنطقة. مثل هذه الأجندة غير قابلة للتحقيق في المدى الطويل، على الرغم من كلّ الظلم الذي لحق وما زال يلحق بأهل صنعاء ومناطق أخرى. يعود ذلك إلى أنّ النظام الإيراني نفسه غير قابل للحياة.
نموذج النظام الإيراني غير قابل للحياة لا في اليمن ولا في قطاع غزّة. يؤكّد ذلك ما يحصل داخل “الجمهوريّة الإسلاميّة” نفسها حيث تعاني الشعوب الإيرانيّة الأمرّين. تعاني الشعوب الإيرانيّة من نظام لا همّ له سوى البقاء في السلطة إلى ما لا نهاية بغض النظر عما يحل بالمواطن الإيراني.
لا وجود لوضع طبيعي لا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ولا في تلك التي تسيطر عليها “حماس” التي باتت قنوات الاتصال بينها وبين إسرائيل مفتوحة.
متى يزول الكابوس الذي يعاني منه أهل صنعاء؟ متى يزول الكابوس الذي يعاني منه أهل غزّة؟ الجواب أن زوال الكابوسين اليمني والفلسطيني بات مرتبطا بمصير النظام في إيران. ما يربط بين الكابوسين الفلسطيني واليمني هو إيران. ليس طبيعيا بقاء هذا النظام الإيراني إلى ما لا نهاية، خصوصا في ظلّ عاملين. أولهما تورطه في الحرب الأوكرانيّة إلى جانب روسيا وتحوله إلى تهديد لأوروبا… والآخر العجز عن مواجهة الشعوب الإيرانية، بنسائها قبل رجالها، وهي شعوب تتوق إلى ثقافة الحياة وليس إلى ثقافة الموت!