جريدة الجرائد

أزمة غربية في باخموت

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


استقطبت المعركة الدائرة في مدينة باخموت الأوكرانية الأنظار على مدى الأشهر الماضية، وباتت محور القتال الرئيسي، رغم أنها تتجه لتلقى المصير نفسه الذي عرفته مدينة ماريوبول بداية الحرب، فالروس مصممون على انتزاعها مهما كانت الكلفة العسكرية والسياسية، وأوكرانيا تتشبث بها خشية لما قد يحدث بعدها، في ظل تقارير تتحدث عن اعتزام القوات الروسية توسيع الهجمات في إقليم دونباس كله، وحتى خارج حدوده.


الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ توقع أن تسقط هذه المدينة خلال أيام، وهو موقف يتطابق مع آراء غالبية الخبراء الغربيين الذين اعتبروا استماتة كييف للبقاء في المدينة نوعاً من العبث بسبب عدم تكافؤ القوة بين الطرفين المتحاربين. وفي وقت من الأوقات كانت مجريات المعارك في المدينة خاضعة لتضخيم إعلامي غربي أوكراني روج بكثافة لهزيمة روسية قاسية، تزامن مع الحديث عن إرسال دبابات &"ليوبارد&" الألمانية ومعدات دفاع وهجوم متطورة، لكن هذا الخطاب تراجع إلى الحد الأدنى، ولم تصل الدبابات ولم ينقلب مسار المعارك، كما كان متوقعاً من وجهة النظر الغربية.

في الجانب المقابل، يتضح أن أهداف روسيا العسكرية أكبر من باخموت، أما الأهداف السياسية والاستراتيجية فهي أبعد من حدود أوكرانيا ذاتها، وفق ما يؤكده المسؤولون الروس وآخرهم وزير الدفاع سيرجي شويغو، الذي أكد من أرض المعركة، أن السيطرة على باخموت &"ستسمح بمزيد من الأعمال الهجومية في عمق دفاعات القوات المسلحة الأوكرانية&". ومعنى ذلك أن هذه الحرب لن تعرف نهاية قريبة، وليست هناك نوايا للحسم السريع، بل ما يلاحظ أن هناك استراتيجية روسية تعتمد &"القضم التدريجي&" للمدن والمناطق في انتظار ما يتحقق من نتائج سياسية خارج ميدان المعركة العسكرية.

بين التصميم الروسي على كسب الحرب واستماتة أوكرانيا وحلفائها الغربيين لمنع النصر، تتجه الأوضاع إلى نقطة تحول عسكرية فائقة الخطورة، لا سيما بعد حسم نتيجة القتال في باخموت، ومؤشرات ذلك تبدو منذ فترة طويلة في تفاصيل المواجهة الإعلامية الدائرة بين الأطراف كافة. فبينما كان هناك حديث عن تحضير روسي واسع النطاق في الذكرى السنوية الأولى للحرب، مرت المناسبة دون تغيير كبير على الأرض، ثم سرعان ما بدأ الترويج لاستعداد أوكراني لشن هجوم في الربيع لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها روسيا بما فيها شبه جزيرة القرم. لكن المعطيات تشير إلى أن ذلك الهجوم سيتعذر لأسباب عسكرية ولوجستية بحتة، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى استثمار تفوقها عدداً وعدة في تحصين مكاسبها الميدانية حتى استكمال السيطرة على كل المناطق التي ضمتها قبل أشهر.

بعد باخموت ستدخل الحرب الأوكرانية مرحلة حرجة بالفعل. من الناحية العسكرية ستثير السيطرة الروسية عليها أزمة بالغة الخطورة للتحالف الغربي، الذي ما فتئ يجيش المساعدات ويطلق الوعود لتعزيز صمود أوكرانيا. وبالمقابل، فإن الجانب الروسي لن يقبل بأن ينقلب نصره فشلاً، وإذا تعاظم الضغط عليه قد تنفلت الأوضاع مرة واحدة، وتنتقل الحرب إلى المرحلة التي يخشاها الجميع، وهي الصراع العالمي الكبير المفتوح على سيناريوهات عدة، كلها فوق الاحتمال.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف