السودان بين الانتقال السياسي وصراع العسكر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
دخلت الحرب الدائرة في السودان بين القوات المسلحة وقوات التدخل السريع، أسبوعها الثالث، وتسببت في مصرع ما يربو على الخمسمئة قتيل، وآلاف الجرحى. ولا يبدو أي حل سياسي يلوح في الأفق حتى هذه اللحظة. وباتت هذه الحرب الشغل الشاعل، لمحطات التلفزة العربية والإفريقية والعالمية، كما الشغل الشاغل لكل وسائل الإعلام، المرئي وغير المرئي.
الجديد هذا الأسبوع، هو النشاط الملحوظ للدبلوماسية، وما نتج عنها من إقناع الفريقين المتحاربين، بفتح ممرات آمنة لإجلاء أكثر من خمسة آلاف محاصر، من غير السودانيين، حيث وصل هؤلاء بسلام، إلى قاعدة الملك فيصل البحرية بجدة، لتتم لاحقاً إعادتهم إلى أوطانهم. وما عدا ذلك، فإن صوت العقل والاحتكام إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول سلمية للصراع، لا يزالان بعيدي المنال.
طرحت مبادرات عدة، من قبل منظمة الوحدة الإفريقية، ودول مجاورة أخرى، دعت إلى هدنة يتوقف فيها القتال بين الفريقين، لاثنين وسبعين ساعة، يتنفس خلالها المواطنون المحاصرون الصّعداء، وتكون مقدمة لهدنة دائمة يحتكم خلالها المتصارعون لطاولة المفاوضات. وقد حظيت هذه المبادرات بتأييد قوي من القوى السياسية في الداخل، لكنها ذهبت أدراج الرياح.
كلا الفريقين المتحاربين يؤكد على احترامه لعودة الجيش إلى ثكناته، وتسليم الحكم إلى المدنيين. وهو أمر يبدو في خانة المناورات، وكسب التأييد من جهات تصنف نفسها باعتبارها الممثل للمجتمع الدولي. فقد دعم المتحاربون في السابق الانقلاب على الحكم المدني، وكانوا حريصين على استمرار إمساك الجيش بمقاليد السلطة السياسية. وفي أحسن الأحوال، تنصيب حكومات مدنية موالية للعسكر، ولا تتعارض مواقفها السياسية مع أجنداتهم.
وقد تبنى هؤلاء مواقف سياسية، شكلت انتقالاً استراتيجياً عما هو معهود في تاريخ السودان منذ استقلاله، مواقف تشكل خرقاً للدستور، وتغييباً لإرادة الشعب السوداني.
يرى قائد القوات المسلحة الفريق البرهان، أن الحل الوحيد هو دمج قوات التدخل السريع في القوات المسلحة، ويشير إلى استحالة القبول بوجود جيشين في بلد واحد.
المهم هو أن تخضع كل القوات المسلحة لأوامر وتوجيهات المؤسسة السياسية، ممثلة في القائد العام للقوات المسلحة، الذي يشغل المنصب الأعلى في الدولة، بغضّ النظر عن شكل النظام، ملكياً أو رئاسياً أو برلمانياً. وهذا الواقع ينطبق على كثير من الدول العربية، التي تضم أكثر من جيش واحد، لكنها تحت إمرة سياسية واحدة.
والحل إذن، ليس بنصرة أحد الفريقين المتحاربين، بل بوقف الحرب، وتحقيق انتقال سياسي سريع، يجري من خلاله تسليم السلطة إلى المدنيين. وحينها تقرر السلطة المدنية، المنبثقة عن إرادة شعبية، شكل وهياكل المؤسسة العسكرية، وارتباط قوات التدخل السريع بالجيش، أو عدمه، بما يتسق مع الدفاع عن الأراضي السودانية، وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوعها.
الوضع في السودان الشقيق، لا يحتمل هذا الجدل البيزنطي. فقد نتج عن هذه الحرب مصرع الآلاف من المدنيين الذين ليس لهم علاقة، من بعيد أو قريب، بأسباب الحرب، وخروج أكثر من ستين في المئة من القطاع الصحي عن الخدمة. وتعطلت، منذ الأسبوع الثاني للحرب، الخدمات الكهربائية، عن معظم أحياء العاصمة الخرطوم، وباتت الخدمات الإلكترونية، والإنترنت، وما يتبعه من مواقع التواصل الاجتماعي، رفاهية، يصعب توافرها أمام الظروف الصعبة التي يعاني منها السودانيون. يضاف إلى ذلك، توقف الحياة عن العمل بشكل تام، في العاصمة، وحصار المواطنين في مساكنهم، ومحدودية توفر المواد الغذائية ومقابلة الاستحقاقات الأخرى للحياة.
توقف الحرب، وإعادة السلام إلى ربوع السودان الشقيق، يقتضيان وقفة عربية مسؤولة، تتضامن مع حق الشعب السوداني في الأمن والاستقرار، وتكون قادرة على وقف الحرب، وتحقيق انتقال سياسي سريع، يعيد العساكر إلى ثكناتهم، ويعبّر عن حق السودانيين في خياراتهم السياسية، والنهوض الاقتصادي والاجتماعي ببلدهم، ليكون وطنهم واحة للسلم والعيش الكريم.