إجراءات غير مسبوقة ضد المخدرات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قبل قرابة عشرة أيام بدأت حرب سعودية جديدة ضد المخدرات، وقد اختلفت في ملامحها عن الحملات السابقة، لأن اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات تمت ترقيتها بقرار من مجلس الوزراء، وأصبح رئيسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو المشرف والمتابع لكافة أعمالها، وذلك بعد تعديل المادة الخامسة من نظام اللجنة في فبراير 2023، ويشارك في عضوية اللجنة وزير الداخلية ونائبه، ووزراء الصحة والمالية والموارد البشرية والتعليم والإعلام، ومعهم رئيسا أمن الدولة والاستخبارات العامة، ورؤساء (سدايا) ومركز التواصل والاستشراف المعرفي ومركز دعم اتخاذ القرار، بالإضافة لثلاثة أعضاء يختارون لذواتهم وبترشيح من ولي العهد.
ما سبق يفسر الإجراءات الاستثنائية التي يتم العمل عليها في الوقت الحالي، وبأسلوب اقتلاع المشكلة من جذورها، تماما كما حدث مع حملة مكافحة الفساد المعروفة، وبدون حصانة لأحد، مهما علت رتبته العسكرية أو مرتبته الوظيفية أو مكانته الاجتماعية، وفي الفترة السابقة على الحملة، كانت حيازة المخدرات للاستعمال من الجرائم غير الموجبة للتوقيف، ومن يضبط من موظفي الدولة، وتحديداً في الأجهزة العسكرية، يؤخذ عليه تعهد وينقل تأديباً، وهؤلاء يتم الكشف عليهم بصورة مفاجئة وعشوائية، ويكون في الغالب ضباط الصف وصغار الضباط، وفي المقابل، لا يخضع الموظفون المدنيون في القطاعات المختلفة لأي فحص، وقد ساهم هذا في استسهال تعاطيها، وفي عدم تقدير خطورتها الفعلية من قبل معظم الناس.
هذه الأسباب جعلت صاحب القرار يعيد ترتيب أولوياته، ويخرج عمل اللجنة من أحكام نظام الإجراءات الجزائية السعودي، ويعتمد استثناءً إيقاف المتورطين في الحيازة والاستخدام والمتواجدين معهم، ولفترة تتراوح ما بين ستة أشهر وعامين، بجانب فصل الموظف المتورط في التعاطي من أول مرة، وتطبيق الفحص العشوائي والمفاجئ على كل أحد، وعدم قبول الكفالات الشخصية ولا الحضورية في موقوفي المخدرات، وكل الأماكن متاحة لعمل الحملة، ويدخل في ذلك المراكز التجارية والبيوت والاستراحات، والدوائر الحكومية والبنوك، وكامل القطاع الخاص والخيري، والحصول على أذونات لمداهمة المواقع المشبوهة سيكون فورياً، وعن طريق غرفة عمليات تعمل على مدار الساعة في النيابة العامة، مع ملاحظة أن من يسلم نفسه بشكل طوعي ويطلب المساعدة لن تطاله العقوبات، وسيوفر نظام حماية الشهود والمبلغين حماية لسرية بيانات من يقومون بالإبلاغ.
تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر في عام 2019، أشار إلى وجود 269 مليون شخص يتعاطون المخدرات حول العالم، وبحسب منظمة الصحة العالمية، تعاطي المخدرات مسؤول عن وفاة 500 ألف شخص كل عام، والزيادة العالمية في أعداد المتعاطين والمدمنين على المخدرات تتأثر بمجموعة من العوامل، أبرزها: انتشار مصانعها وارتفاع مساحات المزارع التي تنتج محاصيلها، ومعها توفر منافذ بيع وترويج مبتكرة، وفي مقدمتها، منصات السوشال ميديا وتطبيقات التوصيل وصيدليات الإنترنت، وكلها تستغل لإتمام عمليات التسليم والاستلام في المملكة وفي غيرها، كذلك الدراما التلفزيونية والسينمائية التي تمجد في عصابات المخدرات وتؤسطرهم، لعبت دوراً مركزياً في الإقبال عليها وزيادة مكاسبها.
في دراسة أجريت على حوالي 280 ألف أميركي من الجنسين، تراوحت أعمارهم ما بين 18 و35 عاما، وذلك لاختبار تعاطي الحشيش المخدر على الميول الانتحارية لديهم، لوحظ أن متعاطي الحشيش أكثر عرضة للتخطيط والتفكير الفعلي في الانتحار، حتى وإن كان تعاطيه متقطعا وغير دائم، علاوة على تأثره بالنوع الاجتماعي، فالنساء المشاركات كن ميالات للانتحار بنسبة أكبر وصلت إلى 52%، وعلى المستوى العملي والإنتاجي أثبتت دراسة أميركية تم إجراؤها على عمال البريد، أن الموظفين الذين كانت عيناتهم إيجابية لتعاطي المارايغوانا المخدرة في اختبار التوظيف، كانوا يتغيبون عن العمل بنسبة 75% مقارنة بمن كانت نتائج اختباراتهم سلبية، بخلاف أن تأثير المخدرات لا يتوقف عند الحياة المهنية، ويمتد إلى الأنشطة التعليمية والمعرفية، ومن الشواهد، تأكيد معظم الدراسات على فشل المدمنين في إكمال تعليمهم الثانوي أو الجامعي، ويعتبر انتشار تعاطي الحشيش في المنطقة العربية، ما بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، من المسببات الأساسية لتراجع الحضور والإنجاز العربي في الفترات اللاحقة.
من الناحية الشخصية أعتبر نفسي من فريق المتفائلين بالأمير محمد بن سلمان، وبمشاريعه وحملاته وسياسته الداخلية والخارجية، لأنها -في منطقها وواقعها الفعلي- منتجة وتحقق أهدافها وتسجل إنجازات متفوقة دائماً، وأتمنى أن تواكب الجهات المختصة تطلعات سموه وشفافيته في التعامل مع الأمور، وتتخلص من التكتم المبالغ فيه، وتكشف عن أعداد المتعاطين والمدمنين كأرقام لا أكثر، وبما يمكّن المهتمين من معرفة حجم المشكلة ووزنها في المجتمع المحلي، واتخاذ ما تحتاج إليه من تدابير أمنية وعلاجية، إلا إذا كان في الكشف حرج عليهم، وفيما يخص الضبطيات، يؤكد الخبراء والمختصون الأمميون، أنه مهما بلغت كفاءة أجهزة المخدرات في الدولة، فإنها لا تضبط إلا نحو 15% من المخدرات الداخلة إلى أراضيها.