لماذا عضوية السويد في حلف ناتو مؤلمة لروسيا كما لتركيا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سيكتمل حلف شمال الأطلسي "ناتو" مع عضوية السويد، وسيصبح بحر البلطيق "بحيرة الناتو"، ما سيمكّن الحلف من قطع الممرات المائية إلى مدن روسية حيوية مثل سانت بطرسبرغ، وإلى مواقع عسكرية واستراتيجية روسية أساسية مثل كالينينغراد، من حيث قد تنطلق شرارة المواجهة النووية، وحيث توجد صواريخ "اسكندر" القادرة على ضرب أية عاصمة أوروبية.
سيكون في الإمكان قطع الصادرات النفطية الروسية مع استكمال عضوية السويد في حلف ناتو، لأنّ السويد وفنلندا وبولندا معاً، قادرة على إغلاق الممرات التجارية، لاسيما من مرفأ سانت بطرسبرغ. ثم إنّ السويد متطورة جداً في مجال التكنولوجيا العسكرية، وبالتالي، فإنّ انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي يعزز القدرات العسكرية لهذا الحلف العسكري المهمّ. لذلك، لن يتهاون الناتو مع تركيا التي تنتمي إلى الحلف، وما زالت لم توافق على عضوية السويد، لأنّها تتهمّها بإيواء ودعم فصائل كردية. فعضوية السويد غير قابلة للتراجع عنها مهما كان، لكنها مرشّحة للمقايضات مع أنقرة. أما إذا قرّر الرئيس رجب طيب أردوغان أنّه عازم على عرقلة عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، فإنّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية ستكون له بالمرصاد وستُعاقب تركيا بأكثر من وسيلة.
قمّة "ناتو" ستُعقد مطلع تموز (يوليو) في فيلنيوس Vilnius في ليتوانيا. وكان عُقد اجتماع وزراء الخارجية لدول الحلف هذا الأسبوع في أوسلو ولم يحضره وزير خارجية تركيا. وحلف "ناتو" يضمّ حالياً 31 دولة بعد انضمام فنلندا إليه في شهر نيسان (ابريل) الماضي. عضوية السويد ستُحسم في القمّة المقبلة، لكن عضوية أوكرانيا لن تُكرَّس رسمياً الشهر المقبل، إنما ستكون هناك ترتيبات أمنية مهمّة لتحصل عليها أوكرانيا، كجسر نحو انتمائها لاحقاً إلى الحلف. رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي يمارس الضغوط الدبلوماسية والاستراتيجية القصوى كي يحصل على ضمانات قاطعة، اليوم وغداً، بأنّ أوكرانيا ستصبح عضواً في حلف شمال الأطلسي.
مسألة عضوية السويد في الـ"ناتو" ليست فقط ما هو مطروح على بساط البحث اليوم في إطار مقاومة تركيا لهذه العضوية، علماً أنّ اعتراض أي دولة في الحلف على عضوية جديدة يعوّقها. المطروح هو مشروعية وصدقية تركيا كعضو في الـ"ناتو". وبالتالي، فإنّ هذا اختبار خطير لعلاقة تركيا بحلف شمال الأطلسي، تترتب عليه عواقب جدّية.
قرار اليوم هو إعطاء الفرصة لتركيا حتى شهر تموز (يوليو) المقبل لتتخذ قرارها، علماً أنّ السويد استكملت التزاماتها وواجباتها، فأصبحت مؤهّلة وجاهزة رهن الموافقة التركية. دول الـ "ناتو" تبذل قصارى جهدها لتعطي الرئيس أردوغان الفرصة بحسن نية. أما إذا عاند وتمسّك بالمعارضة، فإنّ الدول الأوروبية والإدارة الأميركية تدرس وسائل وخطوات العقاب، وهي تشمل التالي: إغلاق الباب رسمياً في وجه انتماء تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، قطع الطريق على تسليم تركيا طائرات F-16 الأميركية، لاسيما وأنّ الكونغرس يعارض الصفقة إلى جانب إيقاف مشاريع تطوير الجيش التركي، وخلق مشاكل اقتصادية في العلاقات الغربية مع تركيا.
أردوغان فاز بالانتخابات الرئاسية، لكن فوزه لم يقترن بالتفاؤل الاقتصادي، فيما الليرة التركية ماضية في التدهور، وهو في حاجة إلى طمأنة شعبه بدلاً من دفع تركيا إلى مواجهة أوروبية وأميركية. قد يكون في باله أنّه لا يريد المجازفة بعلاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي تجمعه به اليوم حاجة متبادلة، لكن ثمن معارضة عضوية السويد مكلف جداً لتركيا، لأنّ هذه مسألة تتعلّق بالأمن القومي الأوروبي، ولأنّ الولايات المتحدة اتخذت قرارها بأنّها لن تسمح أبداً لتركيا بمنع انتماء السويد إلى حلف شمال الأطلسي.
بكلام آخر، إذا قرّر أردوغان تحدّي العضوية السويدية يكون قد اتخذ قرار تحدّي كامل حلف ناتو وأعضائه، ويكون قد وضع نفسه في مواجهة مع الحلف. أما إذا قرّر أن يحصل على تنازلات وضمانات إضافية من أعضاء الحلف ومن السويد، فعليه أن يُسرع في موافقته على عضوية السويد في القمّة المقبلة، لأنّ الحلف لن ينتظر، ولأنّ الحرب الأوكرانية تشكّل عامل ضغط لا يتحمّل المماطلة.
زيلينسكي ينوي زيارة تركيا، وهو مهمّ أيضاً لأردوغان، لأنّ الرئيس التركي يريد أن يلعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا. اجتماع زيلينسكي بأردوغان سيشكّل عامل ضغط على الرئيس التركي الذي قد يقرّر أن لا خيار أمامه سوى تلبية حلف شمال الأطلسي بثمن مرتفع، مع محاولة طمأنة الرئيس الروسي أنّه مستمر معه في العلاقات الثنائية الفائقة الأهمية لاقتصاد روسيا ولبوتين نفسه، الذي هو في حاجة ماسّة إلى أردوغان.
زيلينسكي يتموضع كي يحصل على أقصى ما في وسعه قبيل وأثناء قمّة الناتو في 11 تموز (يوليو) المقبل، والذي هدّد تقريباً بمقاطعتها إذا لم تكن عضوية أوكرانيا في الحلف مضمونة لاحقاً. إنما بالقدر نفسه من الأهمية، هو ما في ذهن زيلينسكي لما يجب أن يصدر عن الـ"ناتو" قبل القمّة وأثناءها، لجهة الضمانات الأمنية لأوكرانيا. هذه الضمانات تشمل استمرار الإمدادات العسكرية، تدريب القوات الأوكرانية، تحويل الجيش الأوكراني إلى مستوى جيوش دول الحلف، وتبنّي إجراءات طارئة في حال تعرّض عضوية أوكرانيا في الحلف للخطر.
الكلام عن خطّة سرّية لحلف شمال الأطلسي لحرب مباشرة مع روسيا كلام يجب أن يؤخذ على محمل الجدّ. الرئيس الأوكراني يريد ضمانات من الولايات المتحدة كتلك التي تقدّمها إلى إسرائيل، بمعنى ضمانات ليس فقط بألاّ ينسى الناتو أوكرانيا، وإنما أن تلتزم واشنطن بعلاقات عسكرية مميزة معها. يريد ضمانات خاصة بترتيبات انتقالية إلى حين انتماء أوكرانيا رسمياً إلى حلف شمال الأطلسي. ما يطلبه زيلينسكي قد يسبّب مشكلة كبرى لأردوغان، لأنّ موافقته على تقديم ضمانات أمنية إلى أوكرانيا سيعكّر العلاقات التركية مع روسيا.
الرئيس الأوكراني يريد أن يلعب أكثر على أعصاب الرئيس الروسي بالذات قبل قمّة الـ "ناتو"، ولذلك يُرجَّح أن تبدأ أوكرانيا العمليات الهجومية المنتظرة في غضون الأسبوعين المقبلين. إطلاق المسيّرات على موسكو جزء من الصدمة البسيكولوجية التي يريدها زيلينسكي لبوتين نفسه وللروس، برسالة واضحة هي: الحرب أتت إليكم. المسيّرات التي دُمِّرت الأسبوع الماضي فوق منطقة سكن كبار الأثرياء من النخبة الروسية، بما فيها مقرّ سكن فلاديمير بوتين خارج موسكو، كان هدفها إيقاظ هذه النخبة إلى المخاطر، والدفع بها للضغط على بوتين. وهذه حرب ذات نوعية جديدة.
كل هذا التصعيد يضع خيار الانتقام النووي الروسي على الطاولة. لكن رهان القيادات الغربية هو على أنّ بوتين لن يجرؤ على المجازفة بتدمير روسيا إذا لجأت إلى الخيار النووي. لن يجرؤ لأنّه سيخاف، ولأنّ هذه القيادات تنظر إلى بوتين بأنّه متهور لكنه ليس غبيّاً.
حلف "ناتو" ينوي تضييق الخناق على فلاديمير بوتين على مختلف الأصعدة، بما فيها عزل الشعب الروسي عنه، بحيث يتأثر مباشرة، مثل إجراءات تؤدي إلى قطع الإنترنت. ذلك أنّ 80 في المئة من تواصل روسيا مع العالم عبر الإنترنت يمرّ في بحر البلطيق. ومع دخول السويد إلى حلف ناتو، سيتمّ تطويق روسيا في بحر البلطيق أكثر وأضيّق.
عضوية السويد تغيّر الموازين العسكرية والتكنولوجية والمزاجية. إنّها مفتاح حلقة خنق روسيا بحراً، فيما فنلندا، بحدودها البرية الطويلة مع روسيا، مفتاح خنق روسيا براً.
عندما أطلق الرئيس فلاديمير بوتين إنذاره الشهير في 17كانون الأول (ديسمبر) عام 2021، متحدّياً حلف شمال الأطلسي ومهدّداً بإجراءات، توضّح لاحقاً أنّها إجراءات اجتياح أوكرانيا، كان بوتين يعتقد أنّه بات منتصراً وأنّه سيُفشل مشاريع توسيع عضوية "ناتو" وقطع الطريق على عضوية أوكرانيا في الحلف. لعلّه لم يكن يدرك أنّ قيادات الـ"ناتو" كانت تنصب له فخّاً، وقع فيه.
اليوم، وبسبب اجتياح روسيا لأوكرانيا، سُرِّعت إجراءات انتماء فنلندا والسويد إلى الـ"ناتو"، وكلاهما له الحدود المهمّة مع روسيا، إحداهما براً والأخرى بحراً. هكذا طوّق بوتين روسيا بنفسه ووضعها قيد العزل، وهكذا وقع في مصيدة ساهم في نصبها لنفسه ولبلده. قمّة الـ "ناتو" المقبلة ستكون مؤلمة للرئيس الروسي، لاسيما إذا اقترن معها مشروع التصعيد النوعي في الحرب التي لم تعد تنحصر في الأراضي الأوكرانية وإنما دخلت الأراضي الروسية.