جريدة الجرائد

القوانين التشريعية للتقنيات الابتكارية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الابتكارات النوعية ممثلة في أنظمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوك تشين والبيانات الرقمية والطباعة ثلاثية الأبعاد والثورة الصناعية الرابعة والحوسبة السحابية وغيرها، أصبحت من أهم الدعائم المتينة لبناء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا، ولتحقيق رفاهية وسعادة مستدامة للمجتمعات، إلا أن تحولات وتغيرات هذه التقنيات والتطبيقات التكنولوجية الإلكترونية المتسارعة تتطلب وضع أطر وأسس ومبادرات نوعية استباقية في مجال القوانين والسياسات التشريعية لها، ويفترض أن تكون ذات مرونة ومتكاملة تتواءم مع هذه التحولات والتطورات وقادرة على محاكاة الواقع واستشراف المستقبل، بما يضمن سلامة البشر من أي أخطار آنية أو مستقبلية، ولضبط عمليات التصميم والاستخدام لمثل هذه التقنيات عموما، وتضمن أمن وسلامة وصحة ودقة المعلومات والبيانات وتحقق في الوقت نفسه مبدأ حفظ الحقوق واحترام الخصوصية والملكية الفكرية، ولا شك أن ذلك يشكل تحديا كبيرا يكمن في إيجاد نظام تشريعي قادر على استيعاب جميع هذه التطورات سواء كانت محلية أو تلك المتغيرات العالمية المرافقة للتقدم في مجالات هذه التقنيات والتكنولوجيا الابتكارية. لذا سأتحدث بشكل عام في هذا المقال عن أهمية وضع هذه القوانين مع بعض الأمثلة العالمية والفوائد من جراء ذلك.

بدأت التقنيات الإلكترونية والتكنولوجيا الرقمية والابتكارات النوعية تتغلغل في حياتنا اليومية بشكل كبير وملحوظ من خلال تداخلها في جميع المجالات والقطاعات. وأسهمت بشكل إيجابي في الحياة البشرية وفي تطورها والرفع من جودتها، وشاركت أيضا في إيجاد الحلول المثيرة لكثير من المعوقات سواء كانت طبية أو تعليمية أو بيئية أو دفاعية عسكرية أو في النقل وغيرها، كما أشار إلى ذلك بعض التقارير العالمية، ومنها تلك الصادرة من منظمة الأمم المتحدة، التي تضمنت الإشارة إلى السرعة الفائقة لانتشار تقنيات التكنولوجيات الرقمية، وأن استخدامها على مستوى سكان العالم النامي بلغت نسبته نحو 50 في المائة في مدة وجيزة. وسبق أن تحدثت في مقالات سابقة عن ذلك، وكيف أن هذه التقنيات الابتكارية تتسابق وتتنافس في امتلاكها كثيرا من الشركات الكبرى والدول العظمى، لتحقيق فضل الريادة والاستباقية، وفي كثير من الأحيان لمزيد من النفوذ والسيطرة، وتحدثت أيضا عن بعض المخاطر التي تحدث من جراء استخدامها سواء بطريقة غير شرعية أو غير أخلاقية، وما ينتج من أخطاء كذلك في التصميم أو البرمجيات، ما ينتج عنه من الأضرار الكبيرة التي قد تمس حياة البشر وتنتهك كثيرا من خصوصياتهم وسلامتهم، خاصة إذا ما تم استخدامها دون ضوابط وتشريعات وقوانين لها. ومن الأمثلة الحالية لمثل هذه التقنيات الابتكارية التي باتت موضوع الساعة، تقنيات الذكاء الاصطناعي بأنواعها المختلفة، التي أصبحت تشكل قوة لنشر النماء والازدهار والاستدامة من خلال إيجاد حلول لكثير من التحديات في عصرنا الحاضر، إلا أن مثل هذه التقنيات والتكنولوجيات لها آثار سلبية، وقد تكون أيضا كارثية، إذا ما تم استخدامها دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو تشريعية ودون حدود معينة أو رقابة محدودة. وأيضا من التقنيات الإلكترونية التي تحتاج إلى مزيد من الضوابط والقوانين -على سبيل المثال- المركبات ذاتية القيادة، وما يترتب على أخطاء التصميم وسوء الاستخدام من آثار سلبية ممكن في كثير من الأحيان أن تهدد حياة البشر، وغيرها كثير من الأمثلة التي لا يتسع المقام لحصرها، والتي بحاجة إلى لوائح وقوانين وتشريعات لضبطها.

لذا بدأ كثير من الدول يفطن لتلك المخاطر ويسعى جاهدا لإيجاد حلول وقوانين منظمة لذلك دون الحد أو الإخلال بالعملية الابتكارية وتقييدها أو خنقها، ومن الأمثلة على ذلك، سعي دول الاتحاد الأوروبي لوضع أول قانون رئيس للذكاء الاصطناعى في العالم، وذلك للتخفيف من مخاطر الضرر المجتمعي من التقنيات الإلكترونية الناشئة. كما اعتمدت الدول الأعضاء في "اليونسكو"، وعددها 193 دولة، اتفاقا عالميا يحدد المبادئ والأخلاقيات والقيم المشتركة واللازمة لضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بطرق سلمية ونافعة. كما قام كل من دول، مثل: كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أو ما تسمى مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، باعتماد لائحة تتضمن قائمة بمخاطر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى اتفاقيات عالمية حول كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي، تعود بالنفع على البشرية جمعاء.

وما يخص هذا الجانب في السعودية، نجد أنه قد صدر مرسوم ملكي كريم برقم "م/17" وتاريخ 8-3-1428هـ، بالموافقة على نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وفيه تم تحديد الجرائم المعلوماتية والعقوبات المقررة لها وجهات الاختصاص لذلك، وأرى إضافة إلى هذا النظام الخاص فقط بمكافحة الجرائم المعلوماتية أن يتم تحديث لائحة تنظيمية كذلك تتضمن آليات وضوابط وقوانين لتشمل كل التطورات والتحديثات التقنية الابتكارية وما يخص تصميمها وطرق استخدامها، وكل ما له صلة بالأنظمة الرقمية وتتماشى مع المعايير العالمية، بحيث تشمل هذه اللائحة التنظيمية، على سبيل المثال، قوانين وضوابط وآليات ومبادئ وأخلاقيات لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجالات التعليم والدفاع والطب والزراعة وغيرها، وقانون لتنظيم تصنيع الطائرات ذاتية القيادة أو المحركة آليا أو لاسلكيا وبرمجتها وتداولها وعملية المتاجرة فيها، والروبوتات بشتى أنواعها والغرض من استخداماتها، والمركبات ذاتية القيادة، وغير ذلك من التقنيات، وأن يكون هنا تحديث وبشكل دوري واستباقي يواكب التغيرات لتلافي المخاطر بشتى أنواعها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف