دول «التعاون» وآسيا الوسطى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مع عدم تجديد اتفاقية الحبوب بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركية، يكون العالَمُ قد دخل في أزمة غذائية قد تسبب المجاعة في أكثر من منطقة، وبالأخص في البلدان الفقيرة التي تعتمد على إمدادات القمح الروسية الأوكرانية باعتبار البلدين من أكبر منتجي ومصدري الحبوب، مما يعيد إلى الأذهان حوادث تاريخية مشابهة أدت فيها الصراعات بين القوى العظمى إلى أزمات داخلية لبلدان أخرى ليس لها ذنب في ما يحدث.لقد أدى عدم تجديد الاتفاق إلى ارتفاع حاد ومفاجئ في أسعار القمح بنسبة 10%، وهو مرشَّحٌ لمزيد من الارتفاع، إضافة إلى نقص الإمدادات، حيث لا يمثل ذلك مشكلةً كبيرةً للدول الغنية التي يمكنها دفع التكاليف الناجمة عن ارتفاع الأسعار، كما يمكنها توفير إمدادات إضافية بطرق مختلفة، إلا أن الدول الفقيرة ستعاني من أزمة غذائية خطيرة تنضاف إلى الأزمات الاقتصادية والمعيشية الحادة التي تعانيها أصلاً.
ولهذه الأزمة جوانب اقتصادية ومالية معقَّدةٌ، وتقع مسؤولية حلها على عاتق الدول العظمى ذات العلاقة بالحرب، فالاتفاق يسمح لصادرات الحبوب الأوكرانية والروسية بالمرور الآمن عبر البحر الأسود لتمر من مضيق البوسفور في الاتجاهات الأربعة نحو مختلف القارات، إلا أن مشكلة دفع قيم هذه الصادرات والتحويلات المالية تسببت في الأزمة الحالية، فقيمة صادرات الحبوب الأوكرانية تصل إلى كييف من خلال نظام المدفوعات الدولي دون عوائق، أما الصادرات الروسية المماثلة فإن قيمها لا تصل إلى موسكو بسبب العقوبات وإخراج روسيا من نظام &"سويفت&"، مما أدى إلى عدم استفادتها من عوائد هذه الصادرات.
لذا تطالب روسيا باستثناء بعض بنوكها من العقوبات المالية لتتمكن من الحصول على عائدات هذه الصادرات، لا سيما وأن جزءاً كبيراً منها يوجَّه للدول الفقيرة والتي لا يمكن تبادل قيم سلعها التجارية بالعملات الوطنية، كما هو الحال مع صادرات النفط والغاز الروسية لبلدان أخرى مثل الصين والهند، والتي تتم بالعملات الوطنية للدول الثلاث، إضافة إلى بعض العملات المهمة، كالدرهم الإماراتي المستخدم في العلاقات التجارية بين روسيا والهند.
وإضافة إلى ذلك، فثمة اتهاماتٌ واتهاماتٌ مضادةٌ، بأن بعض سفن نقل الحبوب تُستَخدَم لأغراض عسكرية، كنقل الأسلحة للأطراف المتحاربة، وهو ما حوَّل منطقةَ البحر الأسود برمتها إلى منطقة عسكرية يمكن أن تتعرض بسببها السفنُ التجاريةُ إلى مخاطر كبيرة، وهو ما يعقّد أزمةَ النقل والتجارة ويزيد من مخاطرها في أكبر ممر مائي لتجارة الحبوب.والسؤال الإنساني الخاص بهذه الأزمة يتعلق بالشعوب الفقيرة التي تعتمد في غذائها بصورة كبيرة على إمدادات القمح الروسية والأوكرانية، علماً بأن هذه الصادرات تشمل أيضاً دول الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
فمصر على سبيل المثال تعتمد بنسبة كبيرة على هذه الواردات، مما دفعها للبحث عن مصادر بديلة، وهو ما يتطلب في الوقت نفسه البحث أيضاً عن تمويل إضافي بسبب ارتفاع تكاليف هذه الواردات، حيث يبدو المشهد أكثر صعوبةً في البلدان الأفريقية الأخرى.
وبما أن لهذه الأزمة أبعاداً إنسانية وأخلاقية، فعلى الأطراف المتصارعة البحث عن تفاهمات بحدها الأدنى للسماح بتدفق صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا، لتجنيب العديد من الدول مجاعاتٍ قد تؤدي إلى وفيات كثيرة وسوء تغذية يشمل الأطفال والمرضى الذين هم بحاجة بعناية خاصة.
ومع أن الحلول ليست سهلةً بسبب طبيعة الصراع وتعدد أطرافه، فإن إمكانية إيجاد حلول تضمن حصول روسيا على عائدات صادراتها من الحبوب ليست مستحيلةً، فإما استثناء قيمة هذه الصادرات من العقوبات المالية بتحديد أحد المصارف الروسية، أو دفعها من خلال دولة ثالثة، كما يحدث في قيم الصادرات الروسية الأخرى، بما فيها صادرات النفط والغاز ذات الأهمية الأكبر لروسيا، مقارنة بعوائد الحبوب، علماً بأن وسائل الدفع المالي تطورت وتعددت بصورة مذهلة في العقدين الماضيين، مما يعني أن إيجاد سبل بديلة ليست بالأمر الصعب، إلا أنه سيجنِّب العالَمَ الكثيرَ من المآسي الإنسانية الناجمة عن مجاعات متوقعة.
*خبير ومستشار اقتصادي