استخراج الرّئيس اللبناني من البلوك الرّقم 9!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قبل أن تبدأ، اليوم، سفينة "توتال أنيرجي" في الحفر لاستكشاف ما إذا كانت هناك كميّات تجاريّة من الغاز في البلوك البحري الرقم 9، سارعت الطبقة الحاكمة إلى استغلال "النفط المحتمل" سياسيًّا، في سلوك سبق أن اعتمدته في كل مكان وزمان، متسبّبة بأكبر انهيار اقتصادي ومالي حصل في العالم منذ قرن ونصف قرن!
ومن يدقق بأدبيات الطبقة الحاكمة في لبنان، يرى أنّ هناك سباقًا غريبًا في تبنّي الحدث، فـ"حزب الله" يعتبر أنّ سلاحه هو "المبتدأ والخبر"، و"حركة أمل" تواظب على أنّ "الحلم ما كان ليُفسّر لولا رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي حفرت بصماته على كنز لبنان الكامن"، وفق تعبير قناته التلفزيونية (أن.بي.أن)، والرئيس السابق ميشال عون يتنافس مع صهره النائب جبران باسيل في التربّع على الشجرة العائلية لأبوّة غاز البلوك 9 وفق ما يسعى إلى رسمها "التيّار الوطني الحر"!
لا جديد تحت الشمس، فهذا السلوك يبقى نسبيًّا خجولًا، بالمقارنة مع ما حصل بين تاريخ وضع مراسيم التنقيب عن النفط في كانون الأول (ديسمبر) 2017 ونيسان (أبريل) 2020، تاريخ ظهور الأدلّة إلى أنّ البلوك الرقم 4 الذي حفرته "توتال أنيرجي" خال من "الغاز التجاري"!
في تلك الفترة، امتلأت طرق لبنان صورًا ضخمة لجبران باسيل وهو يعلن أنّ "لبنان دولة نفطية"، وأعلن الرئيس عون، وهو يطلق أعمال الحفر من غرفة القيادة في سفينة الحفر التابعة للشركة الفرنسية، يوم 27 شباط (فبراير) 2020 يومًا تاريخيًّا وهو محاط برئيس حكومة ذاك الزمان حسّان دياب ووزير الطاقة والمياه ريمون غجر.
ولم تتأخّر المنظومة الحاكمة بكل مكوّناتها في ملء الفضاء الإعلامي والإلكتروني والمِنبري، بشعارات تبنّي الحدث الذي سرعان ما عادت وغابت عن ذكره إلى حلول هذه الأيّام!
لا يتمنّى أحد أن يكون مصير البلوك الرقم 9 مثل مصير البلوك الرقم 4، ولكنّ الجميع يخشون من أن يكون مصير الغاز إذا وُجد في كميّات تجاريّة مثل مصير الثروات اللبنانيّة التي جرى تبديدها، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، 129 مليار دولار أميركي كانت في احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية، وأصبحت اليوم بأفضل تقدير نحو 7 مليارات و300 مليون دولار أميركي، فقط لا غير!
وليس سرًّا أنّ الغاز المحتمل في البلوك الرقم 9، حتى لو كان وفيرًا، لن يؤمّن، بدءًا من سنوات عدة بعد الاكتشاف، إلّا قسطًا غير وفير من الأرقام الخيالية التي بددتها الطبقة الحاكمة في لبنان.
ولهذا، فإنّ كثيرين في الداخل والخارج يعتبرون أنّه إذا وجدت أعمال الحفر كمية غاز تجارية، لا بدّ من إحداث تغييرات جذرية ليس على مستوى الطبقة الحاكمة فحسب، بل على مستوى نهج إدارة الدولة أيضًا!
وبالنسبة لهؤلاء، فإنّه إذا ظهر الغاز فإنّ خطة جديدة سوف توضع للبنان، فاللصوص لا يمكن اختصارهم برياض سلامة، فهو، مهما كانت الأفعال المنسوبة إليه، استفاد من نزر بسيط، فيما أفاد الطبقة الحاكمة بالقسط العظيم. هو أخذ حصة الواوي والطبقة الحاكمة حصة الأسد!
ويعتقد كثيرون أنّ هناك اتجاهًا إلى كسب الوقت في التعاطي مع الموضوع الرئاسي حتى استشراف ماذا يمكن اكتشافه في البلوك الرقم 9، فإذا أظهرت عمليات الحفر وجود كميات تجاريّة، فإنّ التعاطي مع هذا الاستحقاق سوف يختلف عمّا كان عليه سابقًا، ليستطيع لبنان، ليس الاستفادة من أحدث ثروة طبيعية يستخرجها فحسب، بل الانضمام إلى الأسرة الإقليمية المنتجة للغاز، أيضًا!
بطبيعة الحال، سوف يقاوم "حزب الله" هذا المسار التغييري الكبير، في حالة وجود غاز في البلوك الرقم 9، ويقدّم نفسه ضامنًا لسلامة الآبار اللبنانيّة وضمنًا لسلامة الآبار الإسرائيليّة، ولكن أيّ نجاح ممكن له في هذا المضمار، سوف يكون جزئيًّا، لأنّ الغرب عمومًا والاتحاد الأوروبي خصوصًا، لن يضع هذه الثروة الحيويّة، في زمن إعادة تشكيل النفوذ العالمي، تحت سيطرة "حزب الله".
ووفق المراقبين، فإنّ نموذج التعامل المستقبلي مع "حزب الله" سوف يكون على غرار القرار المرتقب صدوره عن مجلس الأمن الدولي في آخر الشهر الجاري بخصوص التمديد سنة جديدة للقوات الدولية العاملة في لبنان، "يونيفيل"، بحيث يمنع عليه أن يربح على الورق في مقابل تأكيد وجوب أن يربح الجيش اللبناني في الميدان. بكلام آخر، لن يتم حرمان اليونيفيل من استقلالية الحركة في منطقة عملياتها، كما يطالب "حزب الله" وجنّد وراءه الدبلوماسية اللبنانية، ولكن في المقابل لن تتصرّف اليونيفيل ميدانيًا، إلّا بأخذ دور الجيش اللبناني في الاعتبار.
من هنا، فإنّ الأولوية الآن، لدى جميع المهتمين بالشأن اللبناني، هي لمعرفة محتويات البلوك الرقم 9 الذي تحرّر العمل فيه مع ترسيم لبنان الحدود البحرية مع إسرائيل، بوساطة أميركية، وفي ضوء ذلك، ستعود الأولوية للاستحقاق الرئاسي، فإذا كان هناك غاز قابل للاستخراج، فإنّ "حزب الله" سوف يكون في صلب معادلة "لا منتصر ولا مهزوم"!
وثمّة من يعتبر أنّ رسالة الاستبيان التي أرسلها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى 38 نائبًا ناخبًا في لبنان، لا تخرج عن سياق تشريع تأخير الاستحقاق الرئاسي إلى ما بعد ظهور معطيات الاستحقاق النفطي!