أرمينيا وأذربيجان... أمام تحدّي جرح التاريخ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أخفقت كل الوساطات الروسية والأوروبية والأميركية في إقناع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بمعاودة فتح ممر لاتشين الواصل بين أرمينيا وجيب ناغورني- كرباخ داخل الأراضي الأذربيجانية، والذي تقطنه غالبية من الأرمن.
مضت على الحصار المفروض على الجيب أشهر عدة، ما جعل الوضع الإنساني يتردّى على نحو خطير داخل الجيب. ويترافق ذلك مع اشتباكات متقطّعة على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، يسقط فيها قتلى وجرحى من الجانبين. ومن نافل القول إنّ أذربيجان استفادت من الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية، كي تمارس أقصى الضغوط على أرمينيا، من أجل القبول بتسوية تعيد الجيب إلى السيادة الأذرية.
وبعد حرب 2020، انتشر 1500 جندي روسي كـ"قوة سلام" بين أذربيجان وأرمينيا. ويفترض بالجنود الروس أن يشرفوا على ممر لاتشين. لكن هذا لم يحصل. ودفع ذلك رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الواقع تحت ضغوط داخلية قوية، إلى إنتقاد روسيا علناً واتهامها بالإنسحاب من القوقاز. وخلّف هذا الإنتقاد إستياءً لدى موسكو التي أكّدت أنّها "لم تنسحب من أي مكان ولا تعتزم الانسحاب".
الردّ الروسي لا يخفّف الاحتقان المتصاعد. وأرمينيا التي تريد أن ترى ثمار الوجود الروسي في المنطقة، لم تحصد إلاّ الخيبة. وتتضاعف شكوى يريفان مع فشل الغرب أيضاً في فتح ممر لاتشين. وهناك مسألة أخرى لا بدّ من أن تبعث برسالة غير إيجابية حيال موسكو، وهي إعلان أرمينيا عزمها على إجراء مناورات مشتركة مع القوات الأميركية هذا الشهر.
من حيث المبدأ، لم تعد أرمينيا ترفض مبدأ التسوية مع أذربيجان، شرط الأخذ في الاعتبار حقوق أرمن كرباخ وضمان سلامتهم. ولا تجد يريفان مناصاً من ابتلاع كبريائها والأخذ في الاعتبار توازن القوى على الأرض بعد الهزيمة التي تلقّتها في حرب 2020.
ومنذ التورط الروسي في أوكرانيا، زاد الخلل لمصلحة أذربيجان التي ترى أنّ الظرف الإقليمي والدولي مؤاتٍ لها كي تفرض الحل الذي يناسبها في كرباخ.
ودول أوروبا والولايات المتحدة لا تستطيع الذهاب بعيداً في الضغوط على أذربيجان الغنية بالنفط والغاز في زمن الحرب، وحاجة الغرب إلى بدائل من الطاقة الروسية المحظورة في أوروبا. وإذا كان قلب الغرب مع أرمينيا، فإنّ عقله مع أذربيجان بسبب مصالحه الخاصة.
وحدها كانت موسكو عامل التوازن في المنطقة. ولمست أذربيجان الواقع الجديد، فاندفعت إلى استثماره قدر المستطاع، وأحكمت الحصار على كرباخ وزادت من المناوشات الحدودية، في وقت لا تأثير يُذكر للمناشدات الصادرة عن قادة غربيين وأبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من أجل فتح الطريق لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الجيب.
هل يستطيع باشينيان دفع الثمن الذي يطالب به علييف؟ إنّ تسوية لا تحفظ ماء الوجه، لن تُبقي باشينيان في السلطة. لكن علييف الباحث عن انتصار سياسي مدوٍ، لن يقبل غير استعادة كامل الجيب قبل أن تفوته هذه اللحظة.
وهكذا، يصير مفهوماً لماذا يصبّ باشينيان جام غضبه على موسكو، إلى درجة اعتبار أنّه كان خطأ استراتيجياً الرهان على الدور الروسي وحده.
ربما يحمل هذا الكلام الانفعالي بعض المبالغة، لأنّ روسيا وقفت دائماً إلى جانب أرمينيا، عسكرياً واقتصادياً. وإلى الآن لا تزال أرمينيا تعتمد في اقتصادها على موسكو. وإذا كان الغرب يحاول الآن إستغلال التراجع في النفوذ الروسي الإقليمي كي يملأ هو الفراغ، فإنّ حدود المساعدة الغربية لأرمينيا ستبقى مرتبطة بعدم الوصول إلى نقطة تستفز أذربيجان.
وفي المحصلة، إذا كانت أذربيجان وأرمينيا تبحثان عن سلام مستدام بينهما، فلا ينبغي لباكو أن تتشدّد أكثر، في حين يتعيّن على يريفان التحلّي بواقعية تفرض عليها تنازلات مؤلمة، لكنها تضمن في المقابل إقفال جرح التاريخ.