جريدة الجرائد

متى ستزول الهيمنة الأميركية على العالم؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تدور في الأوساط السياسية في الفترة الأخيرة أفكار ملونة حول قرب زوال الهيمنة الأميركية على العالم. يعتقد كثير من المفكرين والمحللين السياسيين أن أميركا اليوم ليست هي أميركا النصف الثاني من القرن العشرين.
يقولون إن عالم القطبية الواحدة الذي نشأ بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي واستمر حتى اليوم، سيتم استبداله خلال سنوات قليلة بعالم متعدد الأقطاب. يؤمنون بهذه الأفكار الملونة وهم يرصدون الصعود السريع للصين، ويؤكدونها وهم يتابعون وقوف روسيا في مواجهة مفتوحة مع المعسكر الغربي بأكمله، وينتمون لها وهم يشاهدون الهند والبرازيل ودول البريكس الأخرى توغل في صناعة تكتل اقتصادي قوي، سيجلب بشكل أوتوماتيكي في المستقبل اتحاداً سياسياً من نوع ما، يسهم في موازنة القوة الغربية. هؤلاء المفكرون والمحللون السياسيون على حق وليسوا على حق. هذا أمر معقد قليلاً، تتشابك به تخريجات عدة.
نعم، ستتأخر أميركا قليلاً عن موقعها الحالي، لكنها ستبقى مهيمنة على العالم لعقود. ولا، لن يحل أحد مكان أميركا خلال العقود القليلة المقبلة، لكنها ستنكمش بعد عقود وتعود لتنكفئ على نفسها لحماية ولاياتها الخمسين في تفعيل ثانٍ لـ &"مبدأ مونرو&". لا شيء يستمر للأبد، لكن هذا الشيء يحتاج لسنوات طويلة ليتحول إلى شيءٍ لا يستمر إلى الأبد!
أميركا اليوم هي المهيمنة على السياسة الخارجية العالمية. وهي المهيمنة على التكنولوجيا بمداخلها ومخارجها. وهي المهيمنة على سوق الإعلام والفن والترفيه. وهي التي تقود صحة مواطني العالم وسلامتهم. وهي التي تمتلك أفضل وأغنى الجامعات العالمية وأكثرها تطوراً. وهي قبل كل ذلك، القوة العسكرية الأكبر في العالم، التي تصمم أسلحتها على الورق، ثم تصنعها في شركات الأسلحة العملاقة، ثم تُدرجها في قائمة موجودات وزارة الدفاع. أميركا هي المهيمنة في مجالات عدة، وليس فقط المجال السياسي أو العسكري، وهذا ربما ما يغفل عنه الكثيرون. ستنزل أميركا عن منصب رئيس العالم، لكن ذلك لن يحدث اليوم أو غداً أو بعد غد! بل بعد عقود قد تطول وقد تقصر.
ستتوارى عن &"مشهد الواحدية&"، لكن ذلك يتطلب من الأقطاب &"الأقل من ثانوية&" أن تتطور وتصعد لتكون أقطاباً ثانوية في المستقبل، وهذه مسألة معقدة أيضاً، فالصين تحتاج إلى أن لا تدخل في أي حرب من أي نوع حتى تكون بعد عقود قطباً منافساً لأميركا. وروسيا تحتاج لأن تخرج بسرعة من مستنقع أوكرانيا لتبني نفسها من جديد. وأوروبا الجديدة، أوروبا ماكرون ورفاقه، تحتاج لأن تعقد سلاماً طويل المدى مع روسيا، وأن تحل مشكلاتها الداخلية الكثيرة، ابتداءً من إعادة صياغة تعريف العلمانية والليبرالية الخاص بها وانتهاءً بضمان إبقاء مخالب ألمانيا مقلمة على الدوام!
أما الهند والبرازيل وغيرهما من الدول العملاقة، فتحتاج إلى إنشاء بناءات داخلية صلبة تضمن لها في المستقبل تحمل ضغوطات تقاسم القطبية العالمية. أميركا ستبقى لوقت طويل هي القائدة لهذا العالم، وهذا يتطلب من دول كثيرة، ومن بينها دول الخليج العربي ذات التأثير الإقليمي الكبير أن توثق شراكاتها بواشنطن، لكن عليها أيضاً أن تضع في استراتيجياتها بعيدة المدى أن أميركا ستكون في المستقبل منافساً وخصماً سياسياً واقتصادياً، لا أقل ولا أكثر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف