الحرب الإسرائيلية تنذر بنكبة فلسطينية جديدة... والإنسداد الأميركي- الإيراني يُشعل جبهة لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ينجرف لبنان تدريجياً أكثر في مدار الحرب الدائرة في غزة، ويتوسع القصف الإسرائيلي ليطال مناطق بعيدة عن الحدود في عمق الجنوب، فيما تستمر عمليات "حزب الله" تحت عنوان نصرة "حماس" في مواجهة إسرائيل. وعلى هذا الوقع، تحولت الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، من الناقورة إلى تلال كفرشوبا، منطقة عمليات عسكرية أو خط مواجهة قتالية بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي تشكل امتداداً لحرب غزة، من دون أن تتحول المعارك إلى مواجهة شاملة تتخطى حدود الليطاني منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفل) لكن شظاياها تطال الخطوط الخلفية بما يعني كسراً للقرار الدولي 1701.
ورغم كل الرسائل الدبلوماسية الدولية إلى لبنان التي تحذره من عدم التورط في حرب غزة، وهي موجهة إلى "حزب الله" أيضاً، إلا أن الوقائع على الأرض تنذر بمزيد من التصعيد. وعلى هذا تتزايد الضغوط على لبنان مدفوعة بمحاولات لتحييده أو على الأقل فصله عما يجري في غزة. التحذيرات الأكبر كانت أميركية عبر مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين الذي أبلغ المسؤولين اللبنانيين وفق المعلومات بضرورة العمل على تخفيف وتيرة التصعيد على الحدود الجنوبية تجنباً لحرب كبرى محتملة سيكون لبنان ضحيتها، فيما حذر الفرنسيون عبر أكثر من موفد واتصالات من التورط أكثر في حرب غزة تجنباً لضربة إسرائيلية محتملة، وبالتالي الضغط على "حزب الله" كي لا تذهب الأمور بعيداً، خصوصاً بعد التهديدات الأخيرة للأمين العام لـ"حزب الله" للإسرائيليين والأميركيين على صعيد المنطقة.
الأمر لا يتعلق فقط بكلمة ثانية لحسن نصرالله في ما يتعلق بحرب غزة، وهي تحمل في طياتها تصعيداً مسبق ترجمته المعارك التي توسعت على الحدود وفي المناطق الخلفية التي تعرضت لغارات الطيران الإسرائيلي وصولاً إلى دمشق، بل أيضاً بما تتسم به الصراعات في المنطقة والتي تتوسع بين الأميركيين والإيرانيين من سوريا إلى العراق واليمن، والتي تطغى على القمة العربية الطارئة في السعودية اليوم وقمة منظمة التعاون الاسلامي غداً الاحد المخصصة لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويشارك فيها الرئيس الايراني ابرهيم رئيسي في زيارة هي الاولى له الى المملكة.
يبدو لبنان هو الحلقة الأخطر بعد غزة، ولذا تنصب الاتصالات الدولية المحذرة له كي لا تتطور الأمور إلى الاسوأ، خصوصاً إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق تقدم في حربها المدمرة على حماس، مستندة إلى حجم الدعم الأميركي والدولي، بشن ضربات استباقية على لبنان وضد "حزب الله" مباشرة، وهو ما يشعل الجبهة الكبرى التي في الاساس هي مفتوحة على كل الاحتمالات. وما يجري على الحدود اللبنانية يؤكد أن الجبهة قد تشتعل أكثر، إذ أن الإسرائيليين يوسعون من دائرة القصف على قرى تبعد أكثرمن 5 كيلومترات، فيما بعض غارات الطائرات تستهدف مواقع لـ"حزب الله" في عمق الجنوب اللبناني كما حدث في جبل صافي والريحان التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الخط الأزرق.
ولا يمكن قراءة هذا التوسع إلا بوصفه رسائل إسرائيلية بالاستعداد لمعركة فاصلة أو حرب كبرى قد تلجأ إليها إسرائيل باستدراجها لبنان إلى حرب تدميرية عنوانها إنهاء الوجود المسلح على الحدود توازياً مع حرب غزة، خصوصاً وأنها تحظى بدعم أميركي قد تلزم واشنطن على مسايرتها إذا وسعت دائرة حربها.
الوقائع تشير إلى أن لبنان عاد في الزمن إلى مرحلة ما قبل العام 1978 حين كانت الحدود مسرحاً لمواجهات بين منظمة التحرير الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يؤشر إلى أن الواقع الجديد في الجنوب قد يمتد إلى مرحلة طويلة تفتح على احتمالات انفجار ربطاً بتطورات غزة، وفي الوقت نفسه قد تبقى ضمن إطارها الراهن مع ما تحمله من أخطار على لبنان بعد انتهاء الحرب وما قد تراكمه من نتائج إن كان بكسر حركة حماس أو نصرها. وعلى هذا لم تعد قواعد الاشتباك القديمة منذ ما بعد حرب تموز (يوليو) 2006 تضبط جبهة الجنوب، فهي باتت جزءاً من سياق معركة غزة ولم يعد ممكناً فصلها عنها، إذ يتحرك "حزب الله" كطرف منخرط مباشرة، يصعّد على وقع التطورات، ما يعني أن توقف الحرب وعودة الأوضاع إلى الستاتيكو السابق مرتبط بوقف النار في غزة والتوصل إلى حل إقليمي دولي لا تتوافر شروطه حتى الآن.
وعلى وقع الحراك الدبلوماسي العربي والدولي والقمم المنعقدة ربطاً بحرب غزة، يتبين أن الاشتباك الإيراني- الأميركي لا يزال مفتوحاً، فلا نافذة تواصل، انما تصعيد على الجبهات بما فيها غزة ورفع للشروط في ما يتعلق بالهدنة أو بوقف النار، فيما يترقب لبنان ما إذا كانت حركة حماس قادرة على الصمود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في غزة ويراهن على عدم تحقيق الإسرائيليين خرقاً ضد الفلسطينيينن مخافة من اشتعال جبهة الجنوب في شكل واسع، إن كان بانخراط "حزب الله" في الحرب الكبرى أو الاندفاع الإسرائيلي نحو حرب مع لبنان.
حتى الآن يدير الأميركيون الحرب الإسرائيلية لإنهاء حركة حماس. وعلى وقع الحرب البرية الإسرائيلية لم يظهر تصعيد إيراني واسع في مواجهة الأميركيين لا بل أن العمليات التي نُفذت من حلفاء طهران أو أذرعتها في سوريا والعراق بقيت محصورة بمناطق محددة، وقد بدا أن عدم الرد الاميركي يشير إلى أن واشنطن ليست في وارد خوض حرب مع إيران اليوم وأيضاً الإسرائيليين، إن كان مباشرة أو بتوسيع للجبهات. وعلى هذا الخط من المواجهة كان خطاب نصرالله السابق منضبطاً لا بل محدداً في إدارة المعركة والصراع، لكنه لا يأخذ بالاعتبار ما يمكن أن تذهب إليه الامور لبنانياً إذا طالت حرب غزة، وما يمكن أن تتركه من انعكاسات على البلد الذي يحتاج بالدرجة الأولى إلى الانقاذ.
المعطيات الجديدة على الارض في غزة والانسداد بين الإيرانيين والأميركيين، قد يفتح على احتمالات أخرى. فإذا كان نصرالله لم يصعّد خلال ظهوره الأول بعد حرب غزة على الطريقة التي كان يهدد فيها بإزالة إسرائيل، إنما حدّد سقوفاً ومعادلات أولاً بوقف إطلاق النار وثانياً بمنع كسر حماس لأن ذلك سيعني خسارة لإيران و"حزب الله" علماً أن الخسارة الفادحة ستكون على الفلسطينيين. ولذا كان واضحاً توجيهه رسائل متعددة إلى الأميركيين، مشدداً على أن تفادي التصعيد في المنطقة يجب أن يكون في وقف العدوان على غزة، وأن أميركا يمكنها ذلك. وبالتالي، على أميركا منع توسع الجبهات في المنطقة عبر الضغط على اسرائيل ووقف الحرب. كل ذلك يعني أن جبهة الجنوب باتت مرتبطة بغزة، فيما كل الكلام عن وضع لبنان لا يرقى إلى العنوان الأساسي وهو من ينقذه من حرب محتملة بصرف النظر عن أهدافها، أو من ينقذه من مغامرة بحسابات تتجاوز ما يحدث في غزة.
المخاوف تبقى من منح إسرائيل كل الفرص لضرب حماس وإخراج الفلسطينيين من غزة، فعلى الرغم من خروج أصوات دولية تدين المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، إلا أن ذلك لم يؤد حتى إلى هدنة إنسانية فعلية، اي أن الأربع ساعات اليومية ليست هدنة، وهو أمر سينعكس على لبنان سلباً خصوصاً إذا تبين أن المعادلات الإيرانية ومن ضمنها "حزب الله" لم تمنع الاستفراد بغزة وهو ما سيبقي جبهة لبنان مفتوحة مع تصعيد محور الممانعة لعملياته في سوريا والعراق واليمن، من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة، إنما لفتح بازار التسويات على الحسابات والمصالح.