جريدة الجرائد

تحت سطوة الأحكام المسبقة!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في العام ٢٠١٥ قررت إحدى شركات الوجبات السريعة الشهيرة جدًا افتتاح فرع لها في مدينة ميلانو الإيطالية.. لكنها عندما جسّت نبض السكان المحليين، وجدت أن ثمة شبه إجماع بين السكان على سوء سمعة منتجهم، وتصوراً جماعياً مسبقاً بعدم شرائه، فقررت الشركة عمل حيلة ذكية قبل الافتتاح الرسمي، حيث قامت بتغيير مسمَّاها الشهير، واختبأت مؤقتاً خلف اسم جديد، وراحت تقدم الدعوات للكثير من السكان لتجربة المنتج وإبداء آرائهم التي جاءت كلها إيجابية، وقدم الكثير منهم اعتذاره للشركة!.

* تتكرر هذه الحكاية في حياتنا كل يوم، فتكشف لنا التجارب أن معظم (أحكامنا المُسبقة) تجاه أشخاص أو جماعات أو قضايا، أو حتى سلع معينة، هي خاطئة تماماً، بل وظالمة في أحيانٍ كثيرة، والمؤسف أن هذا الظلم لا يتكشف إلّا بعد فوات الأوان.. لقد أثبتت التجربة في القصة السابقة أن معظم السكان قد وقعوا في خطأين كبيرين، أولاً حين انجرفوا دون تفكير خلف (العقل الجمعي)؛ الذي ساقهم بسهولة للخطأ الثاني، وهو التحيُّز السلبي ضد شيء لم يُجرّبوه، وليس في مدينتهم أصلاً، الأمر أشبه بإصدار (حكم غيابي) لم يُبنَ على دلائل واقعية، وكم في حياتنا من الأحكام الغيابية والتقييمات الجاهزة والآراء المسبقة المتناقلة بالتناسخ والعدوى فقط، والتي تتحكّم بتفكيرنا وبكثير من شؤون حياتنا، دون أدنى تفكير في وضعها موضع التحليل والمساءلة أو حتى الشك!.

* تراكم القناعات الخاطئة في تلافيف اللاوعي يُسيِّر العقل بصورة ميكانيكية، فيرفض كل ما لم يألفه دون فحص، ويستخفّ بما لم يتعوَّد عليه بلا تمعن، ويتجاهل كل ما يتعارض معه دون أدنى إحساس بالخطأ؛ ومع أن هذه الحقيقة تبدو ظاهرة جلية لنا جميعاً، والكل تقريباً يعلمها ويحذر منها، إلا أننا نقع فيها جميعاً بشكل أو بآخر، فكم شخص توجَّسنا منه خيفة، وأطلقنا عليه حكمًا غيابيًا إما بالسوء أو بالإيجابية، ثم صُدمنا بواقعه المختلف، رغم معرفتنا التامة بأن أبسط قواعد النزاهة تتطلب التجرّد وتفريغ الذهن من جميع الآراء المسبقة، حتى يتحقق الصفاء المطلوب لإصدار حكم نزيه وصحيح.

* تتشكل القناعات نتيجة للعقائد والتعليم، والثقافات والبيئات المحلية، خصوصاً إن تقاطعت مع المصالح الشخصية.. هل لاحظت مثلاً كيف تظهر بعض القضايا العادلة وكأنها قضايا ظالمة، ليس لعيبٍ فيها، بل بسبب عدم تحرر الناظر من ثقافته المحلية؛ وعدم تجرده من مصالحه وانطباعاته وتحيّزاته.

أعجبني تشبيه أحدهم للأحكام المسبقة بالنظارات الملوّنة التي لا تحجب الرؤية عن مرتديها، لكنها تصبغ كل شيء يراه بلونها الخاص.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف