القوة الناعمة.. للتعاون الثقافي الدولي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تحدَّثتُ في مقال سابق في &"مجلة القافلة&" عن أهميَّة التَّعاون الثَّقافي الدَّولي، مشيرًا لأنَّ أوَّل ما يخطرُ على بال الكثيرين -عند الحديث عن أوجه التَّعاون الرئيسة بين الدُّول- هو الجوانب السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة والعسكريَّة، باعتبارها جوانبَ يُنظر إليها على أنَّها تحملُ أبعادًا إستراتيجيَّةً، وتأثيرًا لا غنى عنه في العلاقات الدوليَّة.
ولكن، ومع بزوغ نجم مفهوم الدبلوماسيَّة العامَّة، والمفاهيم الأُخْرى المرتبطة به، مثل القوَّة الذكيَّة، والقوَّة النَّاعمة، والتي تُعتبر الثَّقافة عمودها الفقري، أصبح التَّعاون الثَّقافي بين الدُّول شأنًا لا يقلُّ أهميَّة.. شأنًا لا تقتصر تأثيراتُه كما يوحي الاسم، على الجوانب &"الثقافيَّة&" وحدها، بل يمتدُّ ليشمل التأثيرات الاجتماعيَّة والسياحيَّة والإعلاميَّة والاقتصاديَّة، والسياسيَّة أيضًا.
ويمكن تعريف مفهوم &"التَّعاون الثَّقافي الدَّولي&" بأنَّه: &"جميع الأنشطة التي تمارسها المنظَّمات الدوليَّة والمنظَّمات غير الحكوميَّة، والقطاع الخاصُّ والعامُّ، والهادفة للتَّرويج ونقل المعرفة والفنون والمعلومات ذات الطَّابع الثَّقافي للدَّولة، إلى الدُّول الأُخْرى، وذلك بهدف تدعيم العلاقات بين الشعوب، عبر ترسيخ الفَهم والثِّقة والاحترام المُتَبادل بين الثَّقافات المختلفة&".
ومن الأمور الهامَّة التي ينبغي أخذُها في الاعتبار بهذا الصَّدد، الحرصُ على قيام ذلك التَّعاون الثَّقافي على أُسس متساويةٍ؛ وبعيدة عن طغيان ثقافة معيَّنة على حساب ثقافةٍ أُخْرى.
فالثَّقافة تُعتبر أمرًا بالغ الأهميَّة في الشؤون الإنسانيَّة، وذلك لأسباب عديدة؛ لعلَّ أهمها ما نراهُ اليوم بشكلٍ متكرِّرٍ من أحداث العُنف بسبب الانتماءات والسلوكيَّات الثَّقافية، وكون الثَّقافة غالبًا ما تتوسَّط هذه النزاعات والصراعات. غير أنَّه من المهم الإشارة أيضًا إلى أنَّ القضايا الثَّقافية لا ترتبط دومًا بالعدائيَّة والصِدامات، ولكنَّها أيضًا ترتبط بالانسجام وعلاقات التَّعاون والتَّكامل بين البشر.
فالعوامل الثَّقافية مثل الأفكار والمعتقدات والقيم، هي التي تُحدِّد هوية الفرد وشخصيَّته، وتجعله جزءًا من الحياة الكليَّة للجماعة التي ينتمي إليها.
ولعلَّ من الطبيعي أنْ تقع خلافات داخل الجماعة الواحدة، تمامًا كما يحدث في الجماعات التي تنتمي إلى ثقافات مختلفة، ولكنها حتمًا لا تأخذ منحى متطرِّفًا كذلك الذي حدث مثلًا في 11 سبتمبر، وفي الهجوم على مسجد مدينة كرايست تشيرش، وفي تفجيرات بالي عام 2002م، وغيرها من الأحداث المأساويَّة.
من أجل ذلك، فإنَّ الجانب الثقافي يعتبر أمراً غاية في الأهمية، ليس لفهم الجماعات والمجتمعات فحسب، بل أيضاً لاستيعاب ما يدور حولنا، للبحث عن طرق ووسائل مختلفة لخلق نوعٍ من التواصل والتقارب السلمي، والفهم المشترك بين الثقافات المختلفة.
وبهذا الشأن تقولُ الممثِّلُ الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجيَّة في الاتحاد الأوروبي: &"الثَّقافة يجبُ أنْ تكونَ جزءًا أساسًا من سياستنا الخارجيَّة، فالثقافة هي أداةٌ بالغةُ القوَّة لبناء الجسور بين النَّاس، وخصوصًا الشَّباب، وتعزيز الفهم المشترك بينهم.
كما أنَّه يمكن لها أنْ تكون بمثابة محرِّك التَّنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.
وعندما نواجه جميعًا مشكلات مشتركة، فإنَّ الثَّقافة يمكنُ أن تكون عونًا لنا في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا؛ للوقوف معًا للتصدِّي للتطرُّف، وبناء التَّحالفات الحضاريَّة ضدَّ أولئك الذين يُحاولُونَ الوقيعة بيننا. من أجل ذلك فإنَّ الدبلوماسيَّة العامَّة يجب أن تكون في صُلب علاقاتنا في هذا العالم الذي نعيشه اليوم&".
وللحديث بقية..