التعاون الثقافي.. أهمية ومحاذير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تحدَّثتُ في مقالي السَّابق عن أهميَّة وضرورة تدعيم برامج التَّعاون الثقافيِّ الدوليِّ، ليس لفهم الجماعات والمجتمعات فحسب، بل أيضًا لاستيعاب ما يدور حولنا، وفهم علاقات القوَّة ضمن جماعات ومجتمعات معيَّنة، وكذلك للبحث عن طُرق ووسائل مختلفة؛ لخلق نوعٍ من التَّواصل والتَّقارب السلميِّ، والفهم المشترك بين الثَّقافات المختلفة.
وهناك الكثيرُ من الأمثلة للتَّعاون الثقافيِّ الدوليِّ، منها على سبيل المثال، برامج التَّبادل التعليميِّ، وهي برامج ينخرطُ فيها طلابُ البلد في الدِّراسة في المؤسَّسات التعليميَّة في بلد آخر، بشكل يتيح لهم التعرُّف على ثقافة ذلك البلد وحضارته وتاريخه، والالتقاء بأصدقاء جُدد يحملُونَ أفكارًا وثقافاتٍ مختلفةً، وتكوين صورة أكثر انفتاحًا وفهمًا للعالم.
وقد اشتهرت تلك البرامجُ بعد الحرب العالميَّة الثَّانية، وكان الهدفُ منها هو زيادة معرفة وتسامح المشاركين فيها للثَّقافات الأُخْرَى المختلفة.
وتنظرُ الولايات المتَّحدة لبرامج التَّبادل التعليميِّ على أنَّها العمودُ الفقريُّ لدبلوماسيَّتها العامَّة، وعلى أنَّها ترتبط بشكلٍ مباشرٍ بالإستراتيجيَّات طويلة الأمد للأمن القوميِّ الأمريكيِّ، وهي تحظى بدعمِ كبارِ مسؤولي الأمنِ القوميِّ، ومنهم مثلًا وزيرُ الدِّفاع الأسبق (Robert Gates) الذي قال عنها: &"لا توجد سياسة أثبتتْ نجاحها في كسب الأصدقاء للولايات المتَّحدة، مثل سياسة استقطاب الطُّلاب الأجانب للدِّراسة في الجامعات الأمريكيَّة&".
ومن الأمثلة الأخرى للتعاون الثقافي الدولي، برامج تبادل القيادات المستقبلية، وهي برامج تستهدف استقطاب الطلاب الذين يحملون سماتٍ قيادية، ويتوقع أنْ يكون لهم تأثير مستقبلا في دولهم، بحيث يتم تقديم منح دراسية لهم في مدارس وجامعات الدولة المنظمة للبرنامج. كذلك برامج تبادل الكفاءات المهنية، وهي عبارة عن أنشطة عملية ودراسية تستهدف مجموعة تنتمي لمهن محددة، كالأطباء، والمهندسين، والعسكريين، والأكاديميين، وتتيح للمشاركين بها الفرصة لاكتساب خبرات مهنية جديدة، ومشاركة خبراتهم مع نظرائهم في دول أُخْرَى، وبناء علاقات عمل، وتكوين شبكات مهنيَّة، إضافة لفرص الالتقاء بنُخب وقيادات، والدخول في حوارات مباشرة معهم بشكل يساهم بتعريف كلِّ طرفٍ بثقافة الآخر، وأساليبه في التَّعامل مع قضايا المهنة، ومشكلاتها بطُرقٍ جديدةٍ وإبداعيَّة. وهناك أيضًا برامج التَّبادل الافتراضيِّ، وهي برامج تبادليَّة تعتمد على تكنولوجيا الاتِّصال الحديثة للرَّبط بين أفراد أو مجموعات في أماكن متفرِّقة من العالم؛ بهدف تحقيق أغراضٍ تعليميَّة وثقافيَّة تعود بالنَّفع على المشاركين، وتمكينهم من التَّواصل والتَّفاعل فيما بينهم، ومن ثمَّ الاحتكاك بثقافات أُخْرَى مختلفة، والتعوُّد على سماع وقبول الآراء المختلفة، وبناء التَّسامح وقبول الآخر.
ختامًا، من المهمِّ الإشارة إلى أنَّه بالرغم من الفوائد والإيجابيَّات العديدة الموجودة في معظم هذه البرامج، إلَّا أنَّها كثيرًا ما تتعرَّض للانتقاد، وعدم الثِّقة في بعض أهدافها، والتي يمكن أنْ تتضمَّن جمع المعلومات، وغسل الأفكار، وتغيير المعتقدات، إضافةً إلى عدم احترام خصوصيَّات الثَّقافات المختلفة. فبدلًا من قيام بعض تلك البرامج بالعمل على تمكين الشَّباب المشاركين، وتعليمهم وتدريبهم، فإنَّ ذلك لا يخلو أحيانًا من الإيحاء إليهم بشكلٍ مباشرٍ، أو غير مباشرٍ بالتمرُّد على مجتمعاتهم وثقافتهم، وبالتَّالي تعرضهم للخطر؛ بسبب صغر سنِّهم، وعدم وجود وعي كافٍ لديهم للتعبير عن آرائهم بشكل مناسب، خلافًا للتمرُّد والمقاومة.