خطاب "ناري" لأمير الكويت يغيّر المشهد السّياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في خطاب غير مسبوق في تاريخ السياسة الكويتية، ألقى أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد، بعد أدائه القسم الدستوري، كلمة وصفتها الأوساط السياسية الكويتيّة بـ"النارية". صحّح الأمير الجديد سريعاً بوصلة المشهد السياسي وأعاد الأمور إلى نصابها الدستوري والقانوني.
أراد الأمير الشيخ مشعل منذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها مسند الإمارة رسمياً توجيه رسالة مباشرة إلى الجميع، بعيداً من عبارات التوجيه التقليدية وكلام التأبين الذي بدأ به عاكساً حجم الولاء والوفاء لأخيه الراحل الأمير الشيخ نواف الأحمد. قال الشيخ مشعل: "لقد كان للأمير الراحل منا السمع والطاعة ولم نخالف سموه قط في القرارات والتعليمات التي أمر بها، رغم عدم قناعتنا ببعضها لأن طاعته من طاعة الله". ومن الكلام العاطفي، انتقل إلى الكلام السياسي المباشر غير المسبوق في شأن الوضع الداخلي الكويتي وإدارة الملفات من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية. قال: "أكدنا في خطاباتنا السابقة أن هناك استحقاقات وطنية ينبغي القيام بها من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية لمصلحة الوطن والمواطنين، وبالتالي لم نلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد".
معنى ذلك، أن أمير الكويت يقول مباشرةً وبوضوح إن تعاوناً حصل بين السلطتين لكن للإضرار بمصالح الكويت والكويتيين. يفسر ذلك بشرح دقيق: "ما حصل من تعيينات ونقل في بعض الوظائف والمناصب والتي لا تتفق مع أبسط معايير العدالة والإنصاف، وما حصل كذلك في ملف الجنسية من تغيير للهوية الكويتية، وما حصل في ملف العفو وما ترتب عليه من تداعيات وما حصل من تسابق لملف رد الاعتبار لإقراره، لهو خير شاهد ودليل على مدى الإضرار بمصالح البلاد ومكتسباته الوطنية". هنا يعود الأمير إلى فتح ملفات اعتبرت "إنجازاً" وثمرة تعاون بين السلطتين، لكنها كانت عملياً صفقة مصالح على حساب العدالة والدستور والقانون... خصوصاً موضوع الجنسية الذي يعتبر موضوعاً سيادياً له خصوصية وحساسية عند الكويتيين. هناك أيضاً موضوع العفو الذي له ضوابط وشروط والتعامل معه يجب ألا يكون بميزان الاستنسابية ووفق المصالح الانتخابية أو الأهواء القبلية والطائفية. هناك من صدرت عليهم أحكام إدانة مدى الحياة بجرم اقتناء السلاح وتهديد الأمن أُفرج عنهم، وهناك من كانت عقوبته أقل بكثير وبقي في السجن فقط لأن لا رافعة قبلية أو مذهبية أو مصلحة انتخابية تهتم به. أما موضوع إعادة الاعتبار فيعني به الأمير أن المحكوم المعفى عنه لا يحق له أن يترشح مجدداً لمجلس الأمة. لكنّ المجلس أقر قانون رد الاعتبار في جلساته السابقة. والمشكلة الأكبر التي يتناقض مسارها جذرياً مع شخصية مشعل الأحمد وطريقة حكمه هي إخضاع التعيينات القيادية في الكويت لمبدأ المحاصصة والصفقات والمصالح الذاتية. لذلك أصدر قراراً سيادياً بوقف التعيينات في المناصب القيادية بعدما تم حشو الإدارة بمن لا تنطبق عليهم المواصفات ولا السيرة الذاتية، إنما هذا قريب فلان وهذا مفتاح انتخابي لفلان وهذا تعيينه ينزع فتيل مشكلة بين وزير ونائب... وهكذا دواليك. وقال الشيخ مشعل في هذا الموضوع: "مما يزيد من الحزن والألم سكوت أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية عن هذا العبث المبرمج لهذه الملفات وغيرها، ما أسبغ عليها صفة الشرعية، وكأن الأمر أصبح بهذا السكوت يمثل صفقة تبادل المصالح والمنافع بين السلطتين على حساب مصالح الوطن والمواطنين. لهذا جاء قرارنا السيادي مكتوباً بوقف جزء من هذا العبث من خلال وقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب لأجل مسمى، وسيتم إن شاء الله التعامل مع باقي الملفات الأخرى في ما بعد بما يحقق مصالح البلاد العليا". من الرسائل النارية المباشرة للحكومة والنواب، إلى التحذير من المساس بالوحدة الوطنية "فالحكمة تقتضي منا إدراك عظم المسؤولية وحجمها والتمسك بالوحدة الوطنية التي هي ضمانة البقاء بعد الله". غلّب الأمير الجديد بوضوح أولوية الأمن في هذه المرحلة على ما عداه قائلاً: "مما يتعين علينا اليوم، ونحن نمر بمرحلة تاريخية دقيقة، ضرورة مراجعة واقعنا الحالي من كل جوانبه، خصوصاً الجوانب الأمنية والاقتصادية والمعيشية".
بعد الخطاب، كان منطقياً أن يتقدم رئيس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد النواف باستقالته التي قبلها أمير الكويت فوراً وكلفه تصريف العاجل من الأمور في انتظار تعيين رئيس جديد للوزراء، أما ما يتعلق بمجلس الأمة فقد يواجه مصير الحل إن لم يلتزم بالفقرة الدقيقة التي أوردها الشيخ مشعل في خطابه وهي: "ضرورة التأني والتريث في إصدار القوانين والقرارات التي لها تأثير على المكتسبات الوطنية حفاظاً على الهوية الكويتية، وتعزيزاً للمواطنة الحقة للكويتيين الذين يؤمنون بأن الكويت هي البقاء والوجود وأن الولاء لها". كذلك، الابتعاد من نهج المصالح الشعبوية الضيقة في اتجاه التشريع البنّاء الداعم للتنمية والاقتصاد والأمن والاستقرار والوحدة الوطنية.
تغيّر المشهد السياسي الكويتي تماماً منذ خطاب "مشعل الأول" الذي عدل البوصلة وأفهم من يريد أن يفهم أن عهداً جديداً إصلاحياً بدأ، لا مكان فيه لا للصفقات ولا للتسويات على حساب الكويت والكويتيين.