جريدة الجرائد

إذا كان بايدن يريد إنقاذ نفسه... فليبدأ من غزّة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تصعّب مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهمة الرئيس الأميركي جو بايدن في الدفاع عن الحرب على غزة. وشيئاً فشيئاً تجد أميركا نفسها وحيدة في تأييد الحرب حتى "القضاء المبرم" على حركة "حماس" من دون الالتفات إلى النتائج المدمرة على الشرق الأوسط برمّته وعلى العالم.

بعث بايدن بأكثر من موفد إلى إسرائيل كي يشرح لنتنياهو و"مجلس الحرب" أن الوقت آخذ بالنفاد في ما يتعلق بالتأييد الذي أبدته الدول الغربية أول الأمر لما يسمى "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها"، عقب هجوم "حماس" المباغت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والذي كشف عن انهيار عسكري واستخباري واضح.

البلدان الأوروبية، وبينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا، بدلت مواقفها وباتت تطالب بوقف نار "مستدام"، بعدما كانت أعلنت تأييداً مطلقاً لإسرائيل وزار قادتها ووزراؤها إسرائيل تضامناً. أما إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا، فإنها دعت إلى وقف الحرب منذ اليوم الأول، ما تسبب بأزمة بينها وبين الدولة العبرية.

ومع ذلك، لم تنجح زيارات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الدفاع لويد أوستن، بإقناع نتنياهو على الأقل بخفض التصعيد والانتقال إلى عمليات "أكثر دقة" والكف عن "القصف العشوائي" (وهذان تعبيران أميركيان)، فضلاً عن إدخال المساعدات بوتيرة أسرع إلى سكان القطاع الذين بات 1.8 مليون شخص من أصل 2.3 مليون منهم بلا مأوى، بينما تؤكد وكالات الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، أن الجوع بدأ يفتك بالنازحين، فضلاً عن الأمراض المعدية نتيجة عدم توافر المياه النظيفة أو الطعام بالكميات الضرورية، أما ما تبقى من مستشفيات فإن أقسام الطوارئ فيها تحولت إلى "حمام دم".

لا تأخذ إسرائيل بأيٍ من هذه التقارير، ولا تتورع عن اتهام الوكالات والمنظمات الإنسانية بأنها تنتهج سياسة "معادية للسامية"!!! وحتى مطالبات أقارب الرهائن الإسرائيليين في غزة بضرورة إبرام هدنة من أجل الإفراج عمن تبقى منهم في غزة، لم تعد تجد آذاناً صاغية لدى نتنياهو الذي يكرر ليل نهار أن أفضل وسيلة لإطلاقهم هي مواصلة الضغط العسكري على "حماس". ولم يغير مقتل ثلاثة من الرهائن الأسبوع الماضي برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة، من موقف نتنياهو.

في إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا يدركون جيداً أن نتنياهو يخوض معركة بقائه على قيد الحياة سياسياً. ولذلك لا يريد وقف الحرب، كي لا يضطر إلى دفع ثمن الإخفاق في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
لكن إلى متى يمكن الولايات المتحدة أن تجاري نتنياهو في عدم ممارسة ضغوط فعلية على إسرائيل لوقف الحرب التي تنذر بالاتساع؟ وها هي واشنطن تنشئ تحالفاً دولياً لحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من احتمال تورط في مواجهة مباشرة في النزاع. كما أن جبهة لبنان تشهد تصاعداً في السخونة، وتتواصل الهجمات على قواعد ينتشر فيها جنود أميركيون في العراق وسوريا.

وإلى كل ذلك، يهدد استمرار الحرب في غزة صدقية أميركا لدى أصدقائها في العالم العربي، وتظهر أن بايدن غير جدي عندما يعلن دعمه لحل الدولتين في سياق تسوية نهائية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

إن مجاراة نتنياهو في مواقفه والمضي في تأمين الغطاء الأميركي العسكري والدبلوماسي له، يجعلانه يطمئن إلى أن بقية المواقف الدولية المعارضة والمنددة بالحرب، لن تقدم أو تؤخر.

وأخذاً في الاعتبار النتائج الكارثية التي يمكن أن تقود إليها الحرب في الشرق الأوسط والعالم، فإن ذلك يملي على بايدن تغيير السياسة التي اتبعها منذ 7 تشرين الأول، لا سيما أن استطلاعات الرأي تظهر بوضوح عدم رضا الأميركيين عنها وتناقصاً متواصلاً في شعبية الرئيس الطامح إلى ولاية ثانية.
وإذا كان بايدن يريد إنقاذ نفسه فليبدأ من غزة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف