مروان البرغوثي: مرمّم "الأجنحة الفلسطينية المتكسّرة"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أيّاً تكن الخلفيّات والأسباب والحسابات السياسية التي دفعت بحركة "حماس" إلى الإصرار على أن تشمل صفقة تبادل الأسرى المقبلة مع إسرائيل اسمه، فإنّ مروان البرغوثي يستحقّ الحرّية وأن يعود إلى بيته وأهله ورفاق دربه بعد المخاض الصعب الذي عاناه في سجون الاحتلال. وتستحقّ فلسطين أن يكون ابنها البارّ في واجهة نضالها من أجل الاستقلال، ويستحقّ العمل الوطني الفلسطيني أن يعود أحد أبرز رموزه إلى الساحات لاستعادة مكانته المفترضة، كما تستحقّ حركة "فتح" التي أعادت بعث الكيانية الفلسطينية والهويّة الوطنية والفكرة النضالية، أن تستعيد مكانتها الرئيسية في حمل القضية والدفاع عنها. وهل ثمّة أفضل من أن يكون في مقدَّم صفوفها مناضل من خيرة أبنائها المقاومين الذين ضحّوا بأغلى ما عندهم فداء للوطن السليب؟
مروان البرغوثي، "مانديلا فلسطين"، يختصر بسيرته الشخصيّة المسيرة النضالية لشعب رفض الذلّ والاحتلال وقاوم باللحم الحيّ آلة الحرب الفتّاكة وجبروتها ولم يتراجع أو يخَف ولم يساوم ولم يهادن. انخرط في النضال فتى يافعاً، لم يثنِه الاعتقال الأول ولا الثاني ولا الثالث ولا الرابع ولا المطاردات عن قيادة الحركة الطالبية والشبابية وبثّ روح الثورة فيها، الأمر الذي مهّد أمامه الطريق لتولّي أمانة سرّ حركة "فتح" في الضفة الغربية، ثمّ قيادة انتفاضة كبرى عمّت الأراضي المحتلّة واستنزفت إسرائيل ودفعتها إلى التنازل والتفاوض.
اعتُقل للمرّة الخامسة، لكن لا الأحكام بالسجن المؤبّد خمس مرّات ولا الزنزانة الانفرادية ولا الضغوط النفسية ولا إرهاب المحقّقين نالت من عزيمته، لا بل زاد إصراره على بثّ روح المقاومة في صفوف أنصاره ومحبّيه ومريديه بتسريب رسائل إليهم يحضّهم فيها على الانتفاض في وجه الاحتلال وعلى الوحدة في مواجهة الاحتلال.
اسم فوق الحزبيات الضيّقة
نقاوته النضالية وصلابته في وجه سجّانه ورفضه المطلق للتنازل عن أيّ شبر من الأراضي المحتلّة عام 1967 وتمسّكه بالحلّ العادل والنهائي ومحافظته على علاقة طيّبة مع كلّ الفصائل الفلسطينية، جعلته اسماً يعلو فوق الحزبيّات الفئوية الضيّقة ويحظى باحترام مختلف الشرائح السياسية الفلسطينية، ووضعته في صدارة الشخصيات الفلسطينية الأكثر شعبية في استطلاعات الرأي، والحصان الرابح في أيّ انتخابات رئاسية محتملة.
هذه المواصفات الاستثنائية لرجل استثنائي دفعت بالبعض إلى التكهّن بأنّ "حماس" التي تفكّر في اليوم التالي لانتهاء العدوان على غزة، تهدف من وراء إصرارها على إطلاقه إلى قطع الطريق على بعض الأسماء "الفتحاوية" الحالية أو السابقة الطامحة إلى خلافة محمود عباس على رأس السلطة، مثل أمين سرّ منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ أو محمد دحلان. يرى هؤلاء أنّ الحركة الإسلامية التي لطالما كانت على خلاف مع "فتح"، تجد في البرغوثي الحلّ الأمثل إذا ما اضطرّت إلى تقديم تنازلات في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، من قبيل الاعتراف باتفاقات أوسلو والانضواء تحت مظلّة منظمة التحرير ضمن مسار سياسي جديد.
الخاسر الأكبر هو إسرائيل
لكنّ إطلاق البرغوثي لا يشكّل بالضرورة خلافاً داخل "فتح" نظراً إلى مكانته الخاصة في صفوفها، وهو كان الوحيد من بين قادتها الذي لم يشمله قرار الطرد أو تجميد العضوية في ذروة الخلافات على السلطة في داخلها والنهج السياسي. في حين أنّ الخاسر الأكبر من إطلاقه هو إسرائيل، التي رفضت بشكل قاطع الإفراج عنه في صفقة الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط عام 2011. وقد ترفض ذلك مجدّداً. وتعتبر أنّ هذه الخطوة ستشكّل خطيئة كبرى تضاهي خطيئة إطلاق عدوّها الرقم واحد اليوم، زعيم "حماس" يحيى السنوار "مهندس طوفان الأقصى" في تشرين الأول الماضي.
لا بل أكثر من ذلك، فإنّ الإذعان لقرار كهذا قد يفجّر حكومة بنيامين نتانياهو من داخلها، ذلك أنّ حلفاءه من قادة اليمين المتطرّف سيعتبرون الأمر هزيمة نكراء لإسرائيل، وفرصة للانقضاض على رئيس حكومتهم طمعاً في كسب الشارع اليميني المتعطّش للانتقام والمفعم بالتعصّب الأعمى.
المفاوضات في شأن إطلاق البرغوثي ورفيق السجن الأمين العامّ للجبهة الشعبية أحمد سعدات، لا تزال صعبة جداً ومعقّدة، ومواقف الطرفين فيها متباعدة، لكن في حال وصولها إلى النتائج المرجّوة، فإنّ الإفراج عنهما من شأنه إعادة الأمل بإحياء التآلف المفقود بين الأجنحة الفلسطينية المتكسّرة، والحدّ من عناصر الاختلاف والانقسام، وبثّ الروح في الوطنية الفلسطينية التي تمثّلها "فتح"، وفي اليسار الفلسطيني الذي تمثّله "الجبهة الشعبية"، جنباً إلى جنب الحركة الإسلامية ممثّلة بـ"حماس".