غزة «ذات الشوكة» وجريمة العصر التاريخية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تمادى الصهيونيُّ الإسرائيليُّ في ذلِّ الفلسطينيِّين والعربِ والمسلمِينَ، وانتهاكِ أراضيِهم وتشريدِهم وتهجيرِهم، وعاثَ في القُدسِ تطاولًا ومنعًا للمسلمِينَ من دُخول القُدسِ والصَّلاةِ في بيتِ المقدسِ، وتحدَّى الجميعَ، وأخذَ في فردِ قوَّته وسلطانِهِ ورفضِهِ التَّام أنْ تكونَ هناك دولةٌ فلسطينيَّةٌ على أرضِ فلسطينَ، وأصرَّ إصرارًا تامًّا على أنْ يفرضَ سيطرتَهُ ليس على القُدسِ فقطْ، إنَّما على فلسطِينَ كلِّها، متَّخذًا من قوَّته ودعمِ الغربِ لهُ وسيلةً في ذلك.
إنَّ مَا جَاء من أحداثٍ وضراوةِ قتلٍ وتشريدٍ وتهجيرٍ لأهلِ غزَّة يؤكِّدُ أنَّ مَا حدثَ إنَّما هو أمرٌ دُبِّرَ بليلٍ، وتخطيط لأنْ تقومَ إسرائيلُ -ومعها أمريكا والغربُ- بالعمليَّات اللاإنسانيَّة، من استخدام الأسلحةِ المحرَّمةِ دوليًّا للفتكِ بغزَّةَ وأهلِهِا، وإنَّ الموضوعَ هو مشروعٌ إستراتيجيٌّ لاحتلالٍ كبيرٍ يتطلَّب فيه الدَّهاء والمكر، وهل عُرف عن إسرائيل عبرَ التَّاريخ إلَّا ذلك؟ لكنَّ اللهَ -سبحانه وتعالى- أرادَ أنْ تكونَ غزَّة ذات شوكة نشبت في حلقِ إسرائيلَ -والغرب معها- حيثُ مرَّت ثلاثةُ أشهرٍ والجبناءُ يقاتلُونَ ولم يحقِّقوا لجنودِهِم إلَّا مزيدًا من الذُّعر والخوفِ.
في المقابل تحقَّق للقضيَّة الفلسطينيَّة أنْ تجدَّدت في روحِ أمِّةِ محمدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلّم- وتمَّ تعريفُ العالم بها، وكسبتْ عطفَ العالمِ، وأظهرتْ مَا كان مسكوتًا عليه من ظلم الصَّهاينة الإسرائليِّين للفلسطينيِّين، بل للعربِ أجمعين، كما أنَّها كبَّدتهم خسائرَ آلمتهُم، ومَن يقلْ غيرَ ذلكَ فهُو متعالٍ على الحقِّ، وعلى ما ذكرَه القرآنُ الكريمُ في قولِهِ تعالى (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ).
والحقيقةُ تقولُ: إنَّ استمرارَ إسرائيلَ دونَ رادعٍ فإنَّه سيأتي يومٌ تفرد سيطرتَهَا -بدعمٍ من أمريكا والغرب- على المنطقة كلِّها. فلعلَّ غزَّة ذات الشَّوكة والدِّماء والشُّهداء تمنع ما تصبُو إليه إسرائيلُ، وتدرك أنَّ الشُّعوبَ العربيَّة والإسلاميَّة لنْ تنسَى القُدسَ المحتلَّة وأنْ ليسَ أمامها إلَّا ما كرَّرته المملكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ عدَّة مرَّات، وهو أنْ تكونَ هناك دولتان على أرض الواقعِ، إحداهما دولة فلسطين الحرَّة الأبيَّة، ذات السِّيادة على أرضها، وأن تمنح المسلمين حريَّة الصَّلاة في المسجدِ الأقصى؛ لتبقى المنطقةُ كلُّها في سلامٍ تامٍّ، وترفرف عليها كلُّ سبل التنمية والازدهار الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ، وإلَّا سوف تستمرُّ تُنازع لتنزعَ الشَّوكة من حلقها، ومستقبلها سيكونُ كلُّه شوكًا ينغرسُ في كلِّ خليةٍ من خلايا حلقها.
إن الجريمة اليوم تاريخية، بل تُعد جريمة العصر والتي تنفذ بمرأى من الغرب، ويخرج جميع أدوارها ويساعد في مونتاجها الغرب بريادة أمريكا، ولن ينساها التاريخ لأن قتلها للأطفال والنساء الحوامل والشيوخ جماعي وبشكل غير إنساني، وتهديم المنازل على أهلها، وما يحدث من تهجير وتشريد وأعمال غير إنسانية على مرأى ومسمع ورعاية العالم لهو أمر جلل، وجريمة تاريخية، وليسَ له من حلٍّ إلَّا أنَّ الفلسطينيِّين أنفسَهُم يكرِّسُون جهودهم وجنودهم، ويذيقُونَ الصَّهاينةَ المعتدين والمحتلِّين المستعمرين المرَّ، ومرَّ المرِّ، ويفعلُون بهم ما فعلَ الجزائريُّون بالفرنسيِّين، وما فعل الفيتناميُّون بالأمريكيِّين: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).