حوار الحضارات حول «الفجوة الرقمية»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تبدو البشرية اليوم وكأنّها تتجمّع حول الفجوة الرقميّة الضخمة تتحاور وتتناكف وتتقاتل وتتصارح بالكلام والمحاورات، كما بنقل الأخبار والصور الحقيقية والمفبركة الكاذبة والمضخّمة للأحداث والوقائع والمشاريع، كما للأفكار لتصب بمجموعها البشري الهائل طارحةً مسألة كبرى واحدة عبر السؤال الآتي: كيف نُقارب الحلول الفعلية للآثار السلبية الكبرى التي تراكمها خلفها تقنيّات الاتصال عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المُتاحة والمُباحة والمشاعية عبر المجتمعات؟
يمكنني التذكير أوّلاً، ب: &"مجتمع الانترنت&" الذي أسسه روبير خان عام 1988 وإليه انتمت 175 منظمة ثقافية دولية تمثّل 170 بلداً من العالم. له مؤسّسات كثيرة لطالما عُنيت وتُعنى بحماية حقوق المبحرين وآرائهم وتوجهاتهم وحرياتهم المسؤولة بشرياً في التعبير بالكلام والصور والتعليقات ونشر الآراء والمقالات عند الإبحار. هناك إذن، ما زال يُعرف &"بالقوة&" العالمية (بين قوسين) لمراقبة مبحري الإنترنت في العالم مثل منظمتي &"التاسك فورس&" و&"الإيزوك&" اللتين أعلنتا &"مجتمع الانترنت&" بصفته الجواب الوقائي الأوّلي لمخاوف البشر من الحريّات المُستباحة في النشر المتراكمة نحو حدودٍ خطيرة.
صحيح إنّه مجتمع غير رسمي تشكّل عفوياً، وما زال ينضمّ إليه باستمرار أعداد كبيرة من مبحري &"الأنترنت&" الذين يشعرون بمسؤوليات التواصل الهائلة. يجتمعون دولياً مرّةً في العام لمناقشة الأفكار والاستراتيجيات التي لها علاقة بهذا العالم الجديد، وكيفية مجابهة مخاطر الاتصال والآراء والأفكار الواردة والمتجمعة خلال العام. صحيح أنّ اتصالاتهم مفتوحة ودائمة عبر الشاشات، ويعتبرون أنفسهم &"زعماء الانترنت&" في العالم، لكن الصعوبات هائلة في احترام القواعد الأساسية التي من أجلها، أو تحقيقاً لها، تقوى مجانيات المعرفة والتعاون الثقافي بين الشعوب وكأنّ المجتمعات الرقمية تفقد الرقابة المطلقة ولو اللطيفة على الشبكات حتى أدنى تصفياتها في الرقابة الذاتية المرتبطة بالأخلاق والمعايير التي لطالما دعا إليها &"برونو أودي&" الأستاذ في جامعة &"غرينوبل&" بفرنسا وأوّل رئيس ل&"الإيزوك&" بقي حتى ال 2000.
كانت ألمانيا الدولة الأولى المبادرة لقيادة حملة حاسمة بمراقبة الإنترنت فرضت عبرها ضغوطات على مؤسّسات المعلومات بما يتناسب مع خصوصيات الثقافة الألمانية، ومثلها فعلت الصين والعديد من الدول الأخرى المحافظة في العالم التي راحت تبرمج غرف المحادثات وتراقبها وتحجبها، وصولاً إلى تفجّر نهر &"البيغ داتا&" العالمي نحو السيليكون فالي&"حيث تتدفق المعلومات عبر قنوات الاستقبال والتصفية والتنخيل الدقيقة التي تستثمر الكتابات والصور والإشارات كمواد أساسية في تحليل الاستراتيجيات وتنخيلها وإعادة توظيفها في شبكات العلاقات الدولية وفي رأسها ظاهرة الإرهاب مؤخراً وأحوال الحروب والسيادة. وما ظاهرة تشفير&"الانترنت&" سوى الحلّ التقنيّ الذي وضع بمتناول الدول تقنيات بارعة وسهلة للتصفية تسمح، إلى حدّ كبير، بتنخيل محتوى &"الانترنت&". وهكذا، بدلاً من مصادرة الكتب والمنشورات السريّة، إذن، بات بمقدور الدول حجب الاتصالات &"الانترنتية&" عبر بوابات إلكترونية تحذف المواد العدائية والمؤذية للمبحرين في الشاشة.
وعلى الرغم من الصراعات الدولية والانشغال بتقنيات التصفية، لم تصل البشرية بعد إلى شرعة دوليّة تنظّم هذه المسائل الجوهرية، حيث شاعت على الشاشات الانحرافات وأشكال الشذوذ النفسي والجنسي والسياسي والوحشي وخصوصاً لدى انشغال المبحرين ولهوهم بنقل صور المعارك والحروب.
يبقى ضبط الشاشة، من المسؤوليات المحورية التي تشغل معظم الشعوب، وخصوصاً التي تعتبر فلتان النشر وإباحة الغرائز والتفلت من الهويات الثقافية واللغوية والكيانية جرائم تعاقب عليها القوانين، وفي هذا وجه إيجابي أبقى بعض الحماسة شائعة وقوية لدى المبحرين الداعين للمحافظة على لياقات الشاشة، أو ما صار يُعرف شرعاً ب ال&"Nététiquette&" الذي يُنشر في دليل عالمي حول أصول الاستعمال بعدم إيذاء الآخرين وتحديد الشتائم والإهانات وتعزيز الحوار واحترام أخلاقيات الشعوب والثقافات المختلفة في عصر الفضاء. كان لا بدّ من الحجب المؤقت أو النهائي للمخالفين عبر وسائل التواصل الاجتماعي توخّياً لمعايير يمكن أن تفضي إلى تهذيب وأخلاق تواصلية دولية، قد تتوسّع دوائرها وتساهم في تنقية الحوار الحضاري حول الفجوة الرقمية.