رغم مخاوفنا للعام 2024... سنظلّ نحلم وسيبقى إيماننا الضوء الخافت في الظلام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا ندري ماذا تأتي به سنة 2024 ونحن في خضمّ إعادة الفرز بصورة عشوائية، وفي ظلّ الاعتباطية الخالية من الحكمة، ووسط تموضع اللاعبين الكبار والصغار لحفظ مكانهم وطموحاتهم بوسائل خطيرة بل همجية أحياناً.
نحن في قلق وترقّب وخوف من الآتي، لأنّ اللعبة باتت بلا قواعد، ولأنّ قوانين الحرب والسلم نُزِعَت منها الالتزامات الإنسانية. ليس فقط الحروب والقيادات الطائشة ما يُرعِبنا وإنما كذلك جزء من الإنجازات العلمية والتكنولوجية، وبالذات قدرات الذكاء الاصطناعي الخارقة والتي تهدّد سيطرتنا على مصيرنا. إنما بالرغم من كل هذا، تبقى تطلعاتنا جميلة بعفويتها، ويبقى إيماننا الضوء الخافت في الظلام الحالك، ونظل نحلم لأنّ الحلم حق بالحياة. وأنا أقول بكل تواضع وإصرار إنّ هذا الكوكب نعمة أغدقها الله علينا وأوكلنا بها، فواجب علينا أن نفرح بها وواجب علينا ألاّ نخاف بالمطلق مهما كانت مصادر القلق حاضرة وجديّة.
لن يكون هذا المقال مراجعة لأحداث عام 2023 ولا توقعات لتطورات 2024. فهناك أمور بديهية مثل استمرار التنافس بين الولايات المتحدة والصين، أو مثل قفزات نوعية في الذكاء الاصطناعي.
هناك مسيرات ورؤى قد تتعثر قليلاً لكنها لن تتوقف، مثل تلك التي اعتمدتها القيادات الخليجية العربية لنقل مواطنيها من الفقر والجهل والنزاعات والتخلّف نحو الالتحاق بالمستقبل بجرأة وجدارة. كان في ذهنها أن يتوسع مشروعها ليشمل المنطقة العربية برمتها، لكن مشاريع الحروب الصغيرة والكبيرة عثرة حقيقية قد تؤخّر في تنفيذ ما أقرّته الحكومات الخليجية كسياسة للسنوات العشر أو العشرين الآتية، لكنها لن تقضي عليها. لقد انطلق القطار، وإذا شاءت منطقة المشرق العربي أن تسير كعادتها في كواليس الكوابيس والفساد والحروب والمزايدات، سيترسخ الانفصال والانفصام بين منطقة الخليج ومنطقة بلاد الشام. فزمن الارتهان قد ولّى.
لنتحدّث قبل أي شيء عن الحدث الأهم في 2023 وهو سقوط القناع عن إسرائيل بفضل قيادة بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرِّفة، التي أثبتت أنّ عقلية الحصار تتملّك بماضي إسرائيل وحاضرها ومستقبلها، وأنّ التعايش الحقيقي مع الجيرة العربية فكرة ناقصة ومشوّهة في أذهان الإسرائيليين. المؤسف والمؤلم أنّ القاعدة الشعبية الإسرائيلية اختارت تمزيق فرصة تاريخية للتعايش والتطبيع، ليس فقط مع الدول العربية وإنما مع الدول الإسلامية، بما فيها إيران، لأنّ هذه القاعدة الشعبية تقبع في عقلية الحصار. وكم يكون خطؤها كبيراً ومصيرياً إذا لم تستدرك.
قبول القاعدة الشعبية الإسرائيلية بحرب بذلك القدر من الهمجية والإبادة وانتهاك القوانين الدولية والمعاهدات الإنسانية بذريعة ضرورة الانتقام مما قامت به حركة "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) إنما هو استثمار مصيري في تشويه الذات ونزع القناع. مرة أخرى، لم تتردّد القيادات العربية وأكثرية الرأي العام بإدانة الإرهاب وقتل المدنيين على أيادي "حماس"- وهذا وقع على آذان صمّاء للذين حصروا أنفسهم في قفص الانتقام، إسرائيليين كانوا أو من المتعاطفين مع الانتقام القاطع بلا حدود.
في المقابل، أولئك المتعاطفون مع ما قامت به "كتائب القسام" في 7 تشرين الأول والذين يخوّنون من دان "حماس" كما دان إسرائيل، إنما هم أيضاً من زمرة المزايدين، ليس في صالونات النخبة الخائبة وإنما هم حقاً يزايدون على مستقبل الفلسطينيين ويتطوعون بعشرين ألف ضحية مدنية نصفها من الأطفال، تبريراً لادعاءات الضمير واختباءً وراء الجبن المستعر.
فماذا آتٍ الى غزة العزيزة ضحية "المغامرات المدروسة" الدموية لقيادات "حماس" والإبادة الإباحية لقيادات حكومة نتنياهو؟ الأرجح أنّ العالم لن يتكاتف ويفرض على إسرائيل وقف النار والدخول في مفاوضات التسوية الكبرى، بحيث تعيش إسرائيل بسلام مع جيرتها على أساس قبولها بدولة فلسطين بجانبها. المدهش هو بساطة المعادلة التي من شأنها أن تعطي الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي مستقبلاً مزدهراً- معادلة حل الدولتين. رفض إسرائيل لحل الدولتين يعني رفضها العرض العربي - الإسلامي بصفحة من الازدهار والتعاون وبناء مستقبل لمنطقة الشرق الأوسط ومشاريع الممرات - الكوريدور - التي تربط الشرق والغرب اقتصادياً وتنموياً.
إسرائيل خاسرة استراتيجياً حتى وإن كانت لها مكاسب تكتيكية ضدّ "حماس"، لا سيّما وأنّ إسرائيل تلك الدولة القوية المخيفة أدخلت نفسها كشريك مع مجرد حركة - وليس مع دولة - حرباً وسلماً، فصغّرت من الانطباع الذي ساد عنها وصغّرت من نفسها. "حماس" أيضاً خاسرة استراتيجياً طالما أنّ كل ما تريده بعد كل هذا الدمار والقتل هو أن تبقى على الوجود. فلا مجال لها أن تحقّق أحلامها للسيطرة على الضفة الغربية مهما فعلت، وهي لن تكون جزءاً مهمّاً من صفقة التسوية الكبرى التي على الأرجح أن تأتي في أعقاب المرحلة الانتقالية الصعبة.
أما عن لبنان، الواضح تماماً هو استمرار العزم والضغط الذي تمارسه إدارة الرئيس جو بايدن لمنع إسرائيل من توريط لبنان في الحرب أو لجرّ الولايات المتحدة الى حرب اقليمية كما تريد إسرائيل. فريق بايدن يتواصل كذلك مع إيران بصورة غير مباشرة كي تلجم "حزب الله"، فيما الولايات المتحدة تلجم إسرائيل. إنّها معادلة الاستفزاز والاستفزاز المضاد الذي يعمل فريق بايدن على منعه، وحتى الآن إنه ينجح في ذلك. فإدارة بايدن لا تريد المغامرة بتوسيع الحرب لتصبح اقليمية، لكنها لا تملك حتى الآن الصيغة أو "الفورمولا" لضمان عدم الوقوع في حلقة الاستفزاز المرعبة.
بالنسبة لحرّية الملاحة وللاستقواء اليمني والعراقي على الولايات المتحدة، فإنّ الأمر ليس سهلاً بل إنّه بدوره قد يخرج عن السيطرة. لربما أحد عوامل صمّام الأمان هو الإصرار الصيني على ضمان أمان الملاحة. لكن استمرار الاستفزاز للولايات المتحدة في سوريا والعراق وفي الممرات البحرية قد يؤدّي الى عمليات نوعية في سوريا خاصة لقطع الطريق على مشاريع ما يُعرف بالأذرع الإيرانية.
الحرب العالمية التي يخشاها كثيرون ويتحدّث عنها خبراء أو أولئك الذين يعتقدون أنّهم خبراء ليست مستبعدة كلياً، ولا هي على عتبة الشرق الأوسط للعام 2024. هكذا تبدو الصورة الآن.
الخوف هو أن تكون الحرب النووية على العتبة الأوروبية بعدما تُسلِّم الولايات المتحدة طائرات F-16 لمساعدة أوكرانيا في حربها مع روسيا، وذلك خلال شهر كانون الثاني (يناير) 2024، إذ سيتمّ تسليمها الى قواعد في بولندا ورومانيا. روسيا أصدرت مواقف رسمية بأنّها ستعتبر تلك القواعد "أهدافاً شرعية" في الوقت الذي صرّح فيه نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف المكلّف ملف العلاقة مع أميركا الشمالية والجنوبية، أنّ روسيا جاهزة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية.
أسوأ السيناريوات هو أن تتخذ موسكو قرار ضرب القواعد العسكرية في رومانيا وبولندا، حيث تتواجد طائرات F-16. عندئذ سيكون حلف شمال الأطلسي (ناتو) مضطراً للردّ عسكرياً مباشرة ضدّ موسكو بموجب المادة الخامسة من ميثاقه، والذي يتعهد أعضاء الحلف بالردّ الجماعي على أي اعتداء ضدّ أيّة دولة عضو في الحلف. كالينينغراد مرشحة للردّ والخطورة في ذلك هي في المواقع النووية هناك.
بكلام آخر، إنّ الخوف من مواجهة نووية بين روسيا والناتو ليست نظرية وإنما قد تكون أقرب مما نتصوره بسبب طائرات F-16 الضرورية لمنع هزيمة روسيا لأوكرانيا.
إذن، إنّها لسنة صعبة وخطيرة، لا سيّما وأنّها سنة انتخابية في الولايات المتحدة وفي روسيا وفي البرلمان الأوروبي.
لعلّ الحكمة والمنطق والعقلانية تشق طريقها الى قيادات العالم والى الشعوب- تلك الرابضة تحت الفساد والتسلّط وتلك المتعالية على الفرص المتاحة أمامها. لعلّ القدرة الإلهية تحول دون انتصار نزعة الدمار والهدم والإبادة والإرهاب.
من جهتي، لن أخاف لأني أتمسّك بذلك الضوء الخافت حتى في الظلام الحالك. سأحلم بالطمأنينة وسأصرّ على الحكمة وسأصلّي للضحايا المدنيين ولن أطلب من الله مسامحة المفترين أو المفترسين للأطفال الأبرياء