أميركا تُعزز عُزلة إسرائيل الدولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مُنذُ أن اعترفت الولايات المتحدة الأميركية بالحكومة الإسرائيلية المؤقتة باعتبارها السلطة الشرعية بحكم الأمر الواقع في مايو 1948م، وبعد ذلك بإعلانها الاعتراف النهائي بقيام دولة إسرائيل في يناير 1949م، عملت على دعم وتعزيز مكانة إسرائيل على جميع المستويات الداخلية والخارجية حتى أصبحت تملك اقتصاداً متطوراً، ومجتمعاً فاعلاً، وعلاقات دولية متشعبة ومتعددة ومتنوعة. وفي الوقت الذي عملت فيه الولايات المتحدة على دعم وتعزيز مكانة إسرائيل الداخلية والخارجية، حرصت حرصاً شديداً على توفير الحماية الأمنية الكاملة لدولة إسرائيل، كما حرصت حرصاً شديداً على تطوير قدراتها العسكرية وقواتها المسلحة وتزويدها بما يمكنها من التفوق ويجعلها متقدمة في التصنيفات العسكرية على مستوى منطقة الشرق الأوسط. وقد أثمرت هذه الجهود الأميركية في دعمها لإسرائيل بأن تمكنت من توسيع مناطق نفوذها الجغرافي والسياسي والبشري خلال العقود السبعة الماضية، سواءً عن طريق تقديم الدعم لبناء مزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، أو من خلال تقديم الدعم العسكري في الحروب التوسعية على حساب الأراضي العربية. واستمراراً لهذا الدعم والتمكين الأميركي لإسرائيل، أصدر الكونغرس الأميركي في 1995م "قانون سفارة إسرائيل" الذي يقضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، بالإضافة لوجوب نقل السفارة الأميركية لمدينة القدس خلال خمس سنوات. وبيمنا لم يتم تطبيق هذا القانون خلال المدة المحددة بخمس سنوات، إلا أنه في ديسمبر 2017م تم تطبيقه عندما اعترفت الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب رسمياً بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. نعم، لقد بذلت الولايات المتحدة جهوداً عظيمة تجاه دعم وتمكين وحماية إسرائيل على جميع المستويات الداخلية والخارجية، وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والتقنية والتكنولوجية، حتى أصبحت تتمتع بالقوة والمكانة الإقليمية والدولية التي جعلت منها دولة متعددة العلاقات مع أطراف المجتمع الدولي. وبجانب هذه الجهود الرئيسة التي مكنت إسرائيل على المستويات الدولية، سعت الولايات المتحدة لتسويق إسرائيل لدى الأطراف العربية والإسلامية وعلى امتداد منطقة الشرق الأوسط لتتمكن بعد جهود سياسية عظيمة من تمكين إسرائيل من إقامة علاقات سياسية مع بعض الدول العربية من خلال توقيع اتفاقيات للسلام مما ساهم في تخفيف عزلتها الإقليمية وجعلها دولة طبيعية في محيطها الجغرافي. فإذا أخذنا في عين الاعتبار هذه الجهود الأميركية الكبيرة والمتصلة على مدى سبعين عاماً تجاه خدمة دولة إسرائيل على جميع المستويات حتى أصبحت دولة طبيعية في المجتمع الإقليمي والدولي، فكيف يُمكننا مخالفة ذلك بالقول إن الولايات المتحدة تُعزز عزلة إسرائيل الدولية في وقتنا الراهن؟.
نعم، قد يرى البعض أن هذا التساؤل يفتقد للمنطق على اعتبار تناقضه مع الحقائق التاريخية الثابتة قولاً وعملاً عن الولايات المتحدة تجاه إسرائيل حتى أصبحت دولة طبيعية في المجتمع الإقليمي والدولي، وقد يرى البعض أن هذا التساؤل يتعارض مع الواقع السياسي القائم حيث العلاقات الإسرائيلية المُتصاعدة مع معظم أطراف المجتمع الدولي سواءً دولاً عربية أو إسلامية أو عالمية، ما يعني زوال عزلة إسرائيل وتصاعد نسبة قبولها في المجتمع الدولي، وفي الوقت الذي نستطيع فيه القول إن مثل هذه الإجابات والطروحات منطقية وقريبة للواقع من الافتراض خلال الثلاثة عقود الماضية، إلا أن ذلك المنطق وتلك الافتراضات تحولت وتبدلت بعد الـ 7 من أكتوبر 2023م وما تلاه من أحداث سياسية وأمنية وعسكرية. نعم، إن طرح مثل هذا الافتراض الرئيس القائل إن الولايات المتحدة تعزز عزلة إسرائيل الدولية في وقتنا الراهن قائم على متابعة الحراك السياسي وما تشهده المنطقة من صراع ونزاع وحرب قائمة ودائرة في قطاع غزة حيث تستخدم القوات الإسرائيلية قدراتها العسكرية المتقدمة والنوعية تجاه المدنيين الأبرياء في القطاع المحاصر، بالإضافة للتدمير الشامل للبنية التحتية الضعيفة في أصلها. فإذا وضعنا أمامنا هذا العدوان العسكري المتصاعد والمتواصل منذ الـ 7 من أكتوبر 2023م، وإذا وضعنا أمامنا تلك المشاهد المُعبرة بصدق عن مدى المعاناة الإنسانية المتشعبة التي يعيشها أبناء قطاع غزة، وإذا وضعنا أمامنا تلك الصور المؤلمة للقتلى تحت الأنقاض وفي الطرقات، والجرحى الذين يبحثون عمّن يخفف جراحهم وآلامهم العظيمة، بالإضافة للمشاهد التي تظهر سياسة التدمير الممنهج للقطاع الصحي باستهداف المستشفيات والمستوصفات، وكذلك برؤية المنازل الخاوية على ساكنيها من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين أبرياء، فإننا نصل لنتيجة واحدة، وهي تلك المتمثلة بتجريم الأعمال العسكرية التي تمارسها إسرائيل تجاه المدنيين في قطاع غزة. وهذه النتيجة حتماً هي نتيجة منطقية بناءً على الواقع المشاهد والممارسات العسكرية التي تمارسها القوات الإسرائيلية في حربها الشاملة غير المسبوقة على قطاع غزة، ما يعني أنها سوف تؤثر تأثيراً سلبياً على صورة إسرائيل في المجتمع الإقليمي بشكل خاص، والعالمي بشكل عام، فإذا افترضنا ذلك في إسرائيل، فلماذا نفترض أن الولايات المتحدة هي من تعزز عزلة إسرائيل؟
إن الدور الأميركي في تعزيز عزلة إسرائيل الإقليمية والدولية نابع من سياساتها المؤيدة تماماً للسياسات الإسرائيلية المُتطرفة التي تتخذها تجاه قطاع غزة والضفة الغربية، ومن دعمها غير المحدود وغير المشروط للأعمال العسكرية الإسرائيلية تجاه المدنيين في قطاع غزة، ومن موافقتها من خلال صمتها على الممارسات الإسرائيلية العدوانية تجاه التدمير الشامل والمُمنهج للبنية التحتية على امتداد أراضي قطاع غزة، ومن تأييدها لسياسة الحصار الشامل التي تفرضها إسرائيل بقوة السلاح على قطاع غزة مما تسبب في مضاعفة مُعاناة السكان صحياً وغذائياً ومعيشياً ونفسياً وتعليمياً وغيرها من حاجات ضرورية لتوفير الحياة الكريمة في أدنى مستوياتها الإنسانية. فإذا أخذنا هذه السياسة الأميركية المُعلنة في تأييدها ودعمها غير المشروط لإسرائيل في حربها الشاملة على كل ما يحتويه قطاع غزة من موارد بشرية ومادية وبنية تحتية، فإننا نجد أنفسنا أمام سياسة أمريكية تُساهم مساهمة مباشرة في عزلة إسرائيل عن محيطها الإقليمي والدولي، بالإضافة لمساهمتها في هدم كل ما بنته لصالح إسرائيل خلال العقود السبعة الماضية. نعم، إن الموافقة والدعم والتأييد غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل في حربها الشاملة على قطاع غزة، وإن صمت الولايات المتحدة وعدم منعها أو وقفها للأعمال العسكرية المُتصاعدة وغير المسبوقة على قطاع غزة، تساهم مساهمة مباشرة في تعزيز صورة إسرائيل السلبية في نفوس وعقول وقلوب الأجيال الناشئة في المجتمعات العربية والإسلامية والدولية.
وفي الختام من الأهمية القول إن التأييد والدعم والمُساندة الشاملة وغير المشروطة التي تقدمها الولايات المُتحدة الأميركية لإسرائيل في عدوانها وحربها الشاملة على قطاع غزة، وتدميرها المُمنهج للبنية التحتية، وإسرافها في قتل عشرات الآلاف من المدنيين، يؤسس لعزلة إسرائيلية جديدة في ذاكرة الأجيال القادمة بعد أن تناستها نسبة صغيرة من أبناء الأجيال الحاضرة. نعم، إنها الحقيقة الصعبة التي يجب أن تدركها الولايات المتحدة الأميركية إن أرادت كسر عزلة إسرائيل ودمجها في منطقة الشرق الأوسط وتقريبها من شعوب المجتمعات العربية والإسلامية، وهذا الإدراك يتطلب وقف الولايات المتحدة دعمها وتأييدها غير المشروط لإسرائيل في حربها الشاملة على قطاع غزة، ودفعها لبدء محادثات سياسية هدفها إقامة سلام دائم يضمن للفلسطينيين كرامتهم وحقوقهم التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية.
إنها مسؤولية عظيمة تتحملها الولايات المتحدة تجاه صورتها الذاتية، وتجاه صورة إسرائيل التي تتبناها، وتجاه الشعارات السياسية والعاطفية التي ترفعها عالياً خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان.