من الكونت برنادوت إلى العاروري... أبعد من الاغتيالات وحرب غزة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سياسة الاغتيالات جزء بنيوي من طبيعة إسرائيل، هي أصلاً قامت على اغتصاب أرض، وإنكار شعب، ومارست الاغتيالات من البداية، ولا تزال، لا فقط حين تكون ضعيفة ومحشورة، بل أيضاً حين تكون قوية.
من اغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس إلى اغتيال المسؤول في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني رضا الموسوي في دمشق قبل أسبوع، ثم اغتيال المسؤول في "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية من بيروت، أخيراً.
السلسلة طويلة، ومنها اغتيال الزميل الصحافي والروائي العضو في الجبهة الشعبية غسان كنفاني في بيروت، ثم ثلاثة من قادة "فتح" هم كمال عدوان والشاعر كمال ناصر ومحمد يوسف النجار، ثم عدد كبير من قادة حركة "فتح" في تونس وعواصم أخرى.
إضافة إلى اغتيال القائد أبو علي مصطفى من الجبهة الشعبية، ومجموعة من قادة "حماس" منهم المؤسس الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري، وكذلك صلاح شحادة وعماد عقل، وسواهم، واصلت اغتيال قادة في حركة "الجهاد" أبرزهم فتحي الشقاقي، والتهديد بالاغتيال يشمل حسن نصرالله وكل من له علاقة بعملية "طوفان الأقصى" بألسنة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزرائه ورئيس "الموساد" ديفيد برنيع.
هذا كله، إضافة إلى التهجير والتدمير والحروب، فشل في "كي الوعي" الفلسطيني، وأدى إلى زيادة الراديكالية ضمن الفصائل الفلسطينية.
اغتيال الموسوي والعاروري فتح الباب للكلام، لا فقط على الرد بعمليات جراحية ضد قادة العدو، بل أيضاً على الانخراط الكامل لـ"محور المقاومة" في حرب شاملة عبر "وحدة الساحات"، وكل ذلك مرتبط بقرارات يقال عادة إنها تأتي "في المكان والزمان المناسبين"، لكن الناقص هو التركيز على "الاختراق الأمني" الذي تلقت إسرائيل من خلاله معلومات دقيقة سمحت لها بتوجيه الصواريخ إلى الهدف، لا بالنسبة إلى موقع المكتب الذي تشغله "حماس" في الضاحية الجنوبية برعاية "حزب الله"، وهذا معروف، بل بالنسبة إلى توقيت اجتماع القيادات، وبالذات في المكتب الذي يقال إنه صار خارج الخدمة إلى حد ما.
ولا أحد يجهل أن ما تسمى "قواعد الاشتباك" انتهت منذ "طوفان الأقصى" وحرب غزة، فلا "الردع المتبادل" بقي على حاله، بعدما أوحى كل طرف أنه دفع سلفاً ثمن الحرب، ولا التصعيد عبر "وحدة الساحات" يتجاوز الحسابات "المضبوطة" التي تحدد طهران مداها وحجمها، كما تحدد واشنطن لإسرائيل حدود ردودها على الجبهات المفتوحة في حرب غزة.
وحين يلوح حسن نصرالله بالذهاب إلى "حرب من دون ضوابط، ومن دون سقوف"، فإنه يربط الأمر بـ"إذا" الشرطية حول إقدام إسرائيل على شن حرب على لبنان، ويعترف بأن ما يخوضه "حزب الله" حتى الآن هو حرب "مضبوطة" يدفع فيها ثمناً باهظاً بالشهداء، إلى جانب الدمار في الجنوب واضطرار أهله إلى ترك قراهم.
والغائب بالطبع عن "الميني حرب" في الجنوب هم الباقون من أهل السلطة في لبنان، فلا دور لهم في شيء سوى الصمت أو استخدام لغة خشبية لا علاقة لها بالواقع، ولا هم مستعجلون لملء الفراغات في السلطة، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية يعيد إلى السلطة الحد الأدنى من الانتظام العام في المؤسسات.
أما حديث السيادة في لبنان، فإنه نكتة سوداء، إذ إن السلطة الرسمية تخلت عن السيادة وقرار الحرب والسلم من زمان، و"حزب الله" يأخذ البلد إلى "محور المقاومة" بقيادة إيران وينخرط في "ميني حرب" مع إسرائيل من أجل غزة، ويهدد بحرب شاملة من دون التفات إلى ما ترفضه أكثريه اللبنانيين. هذا، كما لو أن لبنان مجرد "مساحة جغرافية" يتصرف بها وفيها "حزب الله" كما يريد، ويرعى عودة الدور الفلسطيني المسلح إلى لبنان والقيادات التي تلعب أدواراً عسكرية، وتنسق مع "محور المقاومة" في ما يقال إنه "مركز عمليات مشتركة".
ولا أحد يتوقع من عدو مثل إسرائيل سوى الأذى والاغتيالات والاعتداءات العسكرية، واللعبة في غزة، لكن هناك من يريد أن يكون "مركز" إدارتها في بيروت، واللبنانيون يدفعون الثمن.