حرب غزّة... وحروب إيران!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شيئاً فشيئاً، يتبين كم تمتلك إيران من أدوات في المنطقة تستخدمها في الوقت المناسب في تنفيذ مشروعها التوسّعي. لكنّ السؤال في نهاية المطاف: ما الذي ستفعله بتلك القدرة التي تمتلكها أدواتها على التخريب، خصوصاً أدواتها العراقيّة التي حوّلت أحد أهمّ البلدان العربية إلى مجرد تابع؟ يستخدم العراق الذي صار تحت سيطرة "الحشد الشعبي" في تنفيذ سياسة إيرانيّة لا أفق سياسياً لها بمقدار ما أن المطلوب تفكيك الدول العربيّة الواحدة بعد الأخرى...
تمتلك إيران أدوات في لبنان وسوريا والعراق واليمن. تنسّق هذه الأدوات في ما بينها بإشراف مباشر من "الحرس الثوري". هذه الأدوات عبارة عن ميليشيات مذهبيّة انشأها "الحرس الثوري" وعمل على تطويرها طوال ما يزيد على أربعين عاماً. يظهر هذا التنسيق بوضوح، ليس بعده وضوح، على هامش حرب غزّة التي دخلت في السابع من الشهر الجاري شهرها الرابع.
تشهد المرحلة الراهنة نشاطاً كبيراً للحوثيين في البحر الأحمر. صار الحوثيون بعد استيلائهم على صنعاء في 21 أيلول &- سبتمبر 2014 دولة بكلّ معنى الكلمة. لم يتوقّف الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في خطابه الأخير عن الإشادة بنشاط "أنصار الله" في اليمن ودعمهم غزة حيث تقاوم "حماس" إسرائيل بضراوة منذ ما يزيد على تسعين يوماً. لم يتردّد حسن نصر الله بوصف منطقة سيطرة الحوثيين بـ"الدولة" اليمنيّة.
كذلك، تشهد المرحلة الراهنة شبه حرب في جنوب لبنان بعدما قرّر "حزب الله" فتح هذه الجبهة ضمن حدود معيّنة من أجل "مساندة" غزّة. ليس مهماً ما يحل بالجنوب اللبناني وأهله وما يحلّ بلبنان كلّه. المهمّ، بالنسبة إلى الحزب، التزام الحسابات الإيرانيّة التي جعلت من لبنان مجرّد ورقة لا أكثر في يد "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي تعتبر أنّ الوقت حان لتأكيد أنّها القوّة المهيمنة على المنطقة كلها، من المحيط إلى الخليج. تريد إيران أن تثبت في كلّ يوم للإدارة الأميركيّة وأوروبا ولإسرائيل نفسها أنّ في استطاعتها توسيع حرب غزّة أو استيعابها من خلال إبقائها في حدود معيّنة للمواجهة بغض النظر عن الدمار الهائل للقطاع وعدد الفلسطينيين الذين يموتون كلّ يوم.
بكلام أوضح، تريد "الجمهوريّة الإسلاميّة" ثمناً لعدم توسيع حرب غزّة بما يستجيب مع رغبات إدارة جو بايدن التي بعثت بوزير الخارجيّة أنطوني بلينكن إلى المنطقة. لم يتوقف بلينكن عن ترديد أن المطلوب عدم توسيع الحرب الدائرة في غزّة مع تركيز خاص على ضرورة بقاء الوضع مضبوطاً ضمن حدود معيّنة بين إسرائيل ولبنان.
في سوريا تؤكّد إيران عبر ميليشياتها امتلاك مفتاح التهريب إلى الأردن وعبر الأردن. هناك تهريب لمخدرات، حبوب "كبتاغون" خصوصاً، وجهتها النهائيّة دول الخليج العربي، فيما المطلوب من الأسلحة المهرّبة زعزعة الجبهة الداخليّة الأردنيّة. هذا ما تعمل عليه إيران منذ سنوات طويلة. هل من يريد أن يتذكّر أن الملك عبد الله الثاني لم يشارك شخصياً في القمة العربيّة التي انعقدت في بيروت في آذار &- مارس 2002 لأسباب مرتبطة بأمنه الشخصي؟ كانت في الواقع أسباب تعود، وقتذاك، إلى توقيف السلطات الأردنيّة ناشطين لبنانيين، ينتمون إلى إحدى الميليشيات التابعة لإيران، في المملكة الهاشميّة.
يمكن الحديث طويلاً عن تحركات تقوم بها الميليشيات التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني في البحر الأحمر وسوريا ولبنان. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ قدرة إيران على زعزعة الاستقرار الإقليمي واستغلال حرب غزّة في سياق دعم مشروعها الإقليمي تضاعفت بعد وضع يدها على العراق.
لا بدّ من العودة إلى العراق وإلى كونه الانطلاقة الجديدة للمشروع التوسّعي الإيراني، وهي انطلاقة بدأت في عام 2003 مع إسقاط نظام صدّام حسين وتسليم العراق على صحن من فضّة إلى "الجمهوريّة الإسلاميّة". الأكيد أنّه لا يمكن لوم أميركا على اجتياحها العراق، خصوصاً بعد كلّ الارتكابات التي كان صدّام حسين وراءها. لكنّ اللوم، كلّ اللوم على جهل إدارة جورج بوش الابن بأنّ إيران ستكون المستفيد الأول والأخير من الحرب الأميركية على العراق ومن إعادة الميليشيات المذهبيّة العراقية التابعة لإيران إلى بغداد.
عادت هذه الميليشيات إلى العراق على دبابة أميركيّة. نجدها الآن في مرحلة مزايدات في ما بينها في شأن من يقاوم "الاحتلال الأميركي أكثر". أكثر من ذلك، تحولت هذه الميليشيات المنضوية تحت لافتة "الحشد الشعبي" إلى الدولة الحقيقية في العراق، فيما تبدو حكومة محمّد شيّاع السوداني أقرب إلى شاهد زور على ما يجري. لا مهمّة للحكومة العراقيّة الراهنة سوى تبرير ما تقوم بها الميليشيات التي تقصف قواعد أميركيّة في سوريا والعراق بحجة وقوف إدارة بايدن مع إسرائيل في حرب غزّة!
انقلب السحر على الساحر الأميركي في العراق حيث باتت "الجمهوريّة الإسلاميّة" تمتلك ورقة قويّة إلى جانب أوراقها الأخرى في المنطقة. بات السؤال: هل تتجرّأ حكومة محمّد شياع السوداني على طرد القوات الأميركية من العراق كما تريد ميليشيات "الحشد الشعبي"، أي إيران؟
هناك حرب غزّة وحروب إيران في المنطقة. تخوض "الجمهوريّة الإسلاميّة" حروبها بآخرين، وبلدانهم العربيّة، ولا أحد غير ذلك، ضحية هذه الحروب!