جريدة الجرائد

السودان على طريق رواندا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

السودان على طريق رواندا

عندما قرأت عن خبر عملية تسليح المواطنين في السودان أصابني الغم توقعًا لمشاهد جديدة لدماء سودانية ستُراق بأيادٍ سودانية، ومن أجل صراع على النفوذ والسلطة، بين طرفين تغلغلت فيهما عناصر تنتمي إلى جماعات الإسلام السياسي. جميعهم لا ينظرون ولا يهتمون بأهل السودان، بل اهتمامهم ينصب على السلطة والنفوذ فقط.

اللافت هنا أن هذا يتركز في بعض الولايات السودانية التي لاتزال آمنة في شمال وشرق البلاد، وكأن الأمان بات محرمًا في السودان. وأُطلق على هذه العملية &"المقاومة الشعبية المسلحة&"، وتستهدف تسليح المواطنين للدفاع عن مناطقهم خشية امتداد المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع إليها على غرار ما حدث في مدينة &"ود مدني&" بولاية الجزيرة.

المئات من الشبان حملوا أسلحتهم وسط هتافات تصرخ لحث بقية المواطنين على التسليح والتدريب على استخدام الأسلحة النارية للمشاركة في تأمين مداخل ومخارج المنطقة. وهذا الصراخ يبدو مزيجًا من الخوف واستدعاء مشاعر وحشية.

أن يتبنى الجيش عملية تسليح المواطنين هذا خطأ كبير، ولا يوجد سبب منطقي ووطني يبرره. حتى ما سيق من أن هذا الإجراء يأتي لمواجهة تقدم قوات الدعم السريع هو تبرير يتجاهل خطورة دفع البلاد إلى حرب أهلية، خاصة إذا ما تبنينا التفسير، الذي أراه صحيحًا، بأن هذه الخطوة يتخذها الجيش لمنع فقدان المزيد من السيطرة على ولايات بدأت تتساقط من تحت سيطرته، وهو ما يعني اعترافًا بالفشل في المواجهة، بعد العجز عن حسم المعركة ضد قوات الدعم السريع في غضون أيام، كما ادعى قادة الجيش في البداية، بينما مضى نحو تسعة أشهر والأمور تتعثر ميدانيًا وتنظيميًا، بل وبات الجيش مهددًا بفقدان السيطرة على المزيد من الولايات.

باتت العقيدة القتالية لذوي الميول الإسلامية هي السائدة في السودان، حيث يرى كل الأطراف تقريبًا ضرورة تجييش المواطنين للدفاع عن أفكارهم ومشروعاتهم، بغض النظر عن مدى مناسبتها لجموع الشعب السوداني.

إن ما يتم التجهيز له هو &"روشتة&" أو &"وصفة&" لإشعال حرب أهلية، ووضع المواطنين في مواجهة إخوانهم.

وفي حديث مع صديق سوداني تحدث بخوف واضح عن دفع السودان إلى حرب أهلية شبيهة بما حدث في رواندا، التي راح ضحيتها ما يقرب من مليون مواطن رواندي.

ما أريد أن أقوله أن الجيوش النظامية القوية ترفض الزج بالناس بطريقة عشوائية في حروبها القتالية، وترفض السماح بسلاح خارج سيطرة الدولة، وهو الأمر الذي يؤدي حتمًا إلى نتائج سلبية، وقوات الدعم السريع نموذج غير بعيد.

إن إعلان قائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن تسليح الجيش للمقاومة الشعبية، وعدم منعها من جلب أي سلاح، هو دليل على عمق التدهور وتعقد الأزمة التي يمر بها السودان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف