أميركا.. فلتبدأ الانتخابات التمهيدية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خلال الأسابيع الستة المقبلة، ستكشف لنا نتائج الانتخابات التمهيدية الثلاثة مَن هو المرشح المحتمل للظفر بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في نوفمبر المقبل. إذ من المرتقب أن تستضيف ولاية آيوا اجتماعاتها الحزبية في 15 يناير، بينما ستجرى الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشر في 23 يناير، ثم ساوث كارولينا في 24 فبراير.
وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، لا يزال المرشح الأوفر حظاً هو دونالد ترامب الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه الأقوى. غير أن أشياء غريبة يمكن أن تحدث خلال الانتخابات التمهيدية ويمكن أن تقلب التوقعات.
وعلى سبيل المثال، عندما وصل كاتب هذه السطور إلى ولاية ماساتشوسيتس في خريف 1967، كانت إحدى الظواهر الغريبة واللافتة حينها هي وجود العديد من الطلاب الشباب الذين كان مظهرهم مختلفاً تماماً عن مظهر أقرانهم في العديد من الجامعات في بوسطن وكامبريدج. ذلك أن وجوههم كانت حليقة وشعر رؤوسهم كان مقصوصاً ومرتباً، وكانوا يرتدون سترات وربطات عنق. كان هؤلاء الشباب متوجهين إلى ولاية نيو هامبشر من أجل القيام بحملة لصالح السيناتور يوجين مكارثي من ولاية مينيسوتا، وهو &"ديمقراطي&" تقدمي كان مرشحاً منافساً للرئيس ليندون جونسون بسبب طريقة إدارته لحرب فيتنام المفتقرة للشعبية. وكانوا يدركون أنهم إذا كانوا يريدون ترك أي انطباع جيد لدى الناخبين المحافظين جداً في نيو هامبشر، فعليهم أن يكونوا &"نظيفين من أجل يوجين&".
وفي نهاية المطاف، حصل مكارثي على 42 في المئة من الأصوات في حين لم يحصل جونسون سوى على 48 في المئة فقط. وشكّلت تلك النتيجة تحولاً أقنع جونسون في الأخير بأنه يجدر به عدم الترشح لولاية ثانية.
أبرز منافسَيْن لدونالد ترامب هما حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس والحاكمة السابقة لولاية كارولينا الجنوبية نيكي هيلي. وكلاهما خاضا حملةً قوية في ولاية آيوا، والاعتقاد السائد هو أنه ما لم يقدّم ديسانتيس أداءً جيداً جداً ويأتي في المرتبة الثانية بعد ترامب، فإن سباقه إلى البيت الأبيض سيكون في حكم المنتهي. أما هيلي، فتعلّق آمالها على كارولينا الجنوبية، الولاية التي تنحدر منها. وقد عرفت معدلاتها ارتفاعاً في استطلاعات الرأي خلال الآونة الأخيرة، وحصلت في نيو هامبشر على تأييد حاكمها كريس سونونو الذي يتمتع بشعبية كبيرة. ويمكن القول إن أداءً قوياً خلال المحطات الأولى من الانتخابات التمهيدية يمكن أن يجعل هيلي الشخص الأقدر على مناظرة ترامب وجهاً لوجه، على افتراض أنه سيوافق على اعتلاء خشبة المسرح نفسها إلى جانبها. والواقع أنه طالما استطاعت هيلي صيانة حملتها، بما في ذلك الحفاظ على موظفي فريقها ومواصلة جمع الأموال، فيمكنها أن تأمل في أن يتعثر ترامب في لحظة ما هذا الربيع. ذلك أن ترامب يواجه العديد من المشكلات القانونية، كما أنه كثيراً ما يدلي بتصريحات تنال إعجاب قاعدته الانتخابية، لكنها ليس تصنع شعوراً معاكساً لدى ناخبات الضواحي المهمات للغاية في الولايات التي تمثّل ساحات معارك انتخابية محتدمة. وفضلاً عن ذلك، فإن ترامب، وعلى غرار بايدن، يعاني من مشكلة العمر. وعلى غرار بايدن أيضاً، يرتكب ترامب زلات لسان، ويبدو في بعض الأحيان غير مستقر في مشيته ومفتقر للانسجام والتماسك في خطاباته الطويلة. ولهذا السبب، تشير عدد من استطلاعات الرأي إلى أن هيلي ستكون لديها حظوظ أكثر في الفوز على بايدن في الانتخابات العامة.
هيلي تستمدّ قوتها من أدائها كسفيرة أميركية سابقة لدى الأمم المتحدة (خلال عامي 2017 و2018). ونظراً لهيمنة قضايا الأمن القومي على الأجندة، فإن آراءها القوية، بما في ذلك دعمها القوي لإسرائيل وأوكرانيا ورغبتها في تسليط الضوء على ما تعتبره التهديد الذي تطرحه الصين بالنسبة للغرب، تُكسبها إشادة المتشددين في حزبها بل وحتى إشادة بعض &"الديمقراطيين&". لكن آراءها تظل مثيرة للجدل بين التيارات الانعزالية في الحزب الجمهوري وبين الديمقراطيين التقدميين.
وبالمقابل، فإن مواقف ترامب حول السياسة الخارجية فضفاضة بخصوص الأزمات المعقدة، مثل أوكرانيا وغزة، يطغى عليها التباهي بقدرته على حلها. وعلى كل حال، سنعرف جميعاً، بحلول نهاية مارس المقبل، ما إن كانت هيلي ستشكّل تحدياً حقيقياً لترامب وما إن كان هذا الأخير مستعداً حينها لمناظرتها وجهاً لوجه وبالتالي الخضوع للتدقيق من قبل الجمهور الذي ظل يتحاشاه حتى الآن.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز &"ناشيونال إنترست&" - واشنطن