جريدة الجرائد

حرب غزة حرّكت سلباً ملفّ الوجود الأميركي في المنطقة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، يواجه وجود الولايات المتحدة وانتشارها في المنطقة أزمة خطيرة. فعلى خلفية الحرب الإسرائيلية الشرسة والمدمرة على غزة، اشتعلت ساحات عدة بوجه القوات الأميركية التي كانت حتى مطلع شهر أكتوبر الماضي تتمتع بتموضع مريح في كل من سوريا والعراق، فضلاً عن البحار الإقليمية، من البحر الأحمر وباب المندب، إلى خليج عمان ومضيق هرمز. كل هذا بدأ يتغير تدريجياً تحت شعار رفعه الإيرانيون مفاده مساندة قطاع غزة من دون التورط في حرب شاملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. والحقيقة أن المواقع التي ترابط فيها قوات أميركية في كل من العراق وشرق سوريا تعرضت حتى الآن لأكثر من 120 ضربة بصواريخ أو بمسيّرات مفخخة أطلقتها الفصائل العراقية المنخرطة في قوات "الحشد الشعبي" التي تقودها من الناحية العملية إيران عبر قيادة "فيلق القدس" الإيراني. هذه الهجمات التي تعرضت لها قواعد عسكرية أميركية في منطقة حيوية من الشرق الأوسط بالنسبة إلى النفوذ الأميركي بلغت حداً لم يعد بمقدور الأميركيين أن يتجاهلوا أمرها كما فعلوا طوال عام 2023. فالقرار الإيراني بات واضحاً ويقضي برفع منسوب الهجمات على القوات الأميركية بأسلوب "حرب العصابات"، بحيث تزيد كلفة البقاء في المنطقة بما يمكن أن يؤدي إلى فتح ملف الانتشار الأميركي في الشرق الأوسط في العراق وسوريا. والأهم في أروقة الكونغرس الأميركي في سنة الانتخابات الرئاسية.

وفي هذا الإطار كان للرئيس السابق دونالد ترامب موقف حول قضية الوجود الأميركي في العراق، والحديث عن دعوات من الحكومة إلى التسريع في الخروج الأميركي من العراق بعد قيام القوات الأميركية باستهداف عناصر ينتمون إلى الميليشيات العراقية التي كانت قد أطلقت على قواعد أميركية مسيرات مفخخة. قال ترامب: "لا داعي للبقاء إذا كانوا لا يريدوننا هناك". والحقيقة أنه على الرغم من أن القوات الأميركية لم تخسر جندياً واحداً حتى الآن، إلا أن الضغط زاد على القوات الأميركية. كما أن حركتها تعرضت للتضييق مخافة وقوعها في كمائن في كل من العراق وسوريا. لكن الأمر الخطير هو أن الرد الأميركي المحدود على الهجمات التي قامت بها فصائل من "الحشد الشعبي" في العراق فتحت مؤخراً ملف الوجود الأميركي بعدما دخل على الخط رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي تحدث صراحة أنه ينبغي التسريع في إنهاء الوجود الأميركي في العراق. ومعلوم أن حكومة السوداني تعكس تمثيلاً غالباً من "الإطار التنسيقي" المنبثق عن "الحشد الشعبي" والأحزاب العراقية الشيعية المتأثرة بالنفوذ الإيراني. ومن هنا شكل طرح السوداني للمسألة رداً على مقتل مسؤول عسكري في أحد الفصائل إشكالية كبيرة للسياسة الأميركية في العراق. وقد اعتبر الأمر بمثابة إعلان إيران حرباً على الوجود الأميركي في الشرق الأوسط تحت عنوان الرد على حرب غزة.

لكن الأمر أكثر تعقيداً من مجرد استهداف قواعد أميركية، أو إدلاء رئيس الحكومة العراقية بتصريح عالي النبرة ضد الوجود الأميركي. إنه مرتبط بتوازن الساحة العراقية بين النفوذين الإيراني والأميركي اللذين تمكنا من التعايش لسنوات طويلة تحت سقف الانتشار المتجاور في كل من العراق وسوريا. توازن العراق لا يمكن أن تؤمنه إيران التي تمثل بيئة طائفية مذهبية مغلقة في بلاد مركبة طائفياً وإثنياً. أضف إلى ذلك الاعتبارات الاقتصادية والمالية التي تجعل من طلاق العراق من الولايات المتحدة أمراً مستحيلاً في المدى المنظور.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف