مستقبل الاعتدال العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كشف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة حجم التطرف فى الخطاب الإسرائيلى وسياسة الكيل بمكيالين الغربية، فلم تكتف إسرائيل باستهداف المتشددين والتنظيمات المسلحة، وإنما استهدفت الشعب الفلسطينى دون تمييز بين المعتدلين والمتشددين. فقتلت ٢٥ ألف فلسطينى، بينهم ١٠ آلاف طفل، ودمرت أكثر من ثلثى مدينة غزة، وهجّرت ٩٠٪ من الفلسطينيين من ديارهم.. وهى أرقام لم تعرفها أى حروب معاصرة، بما فيها ما جرى للمدن الألمانية فى الحرب العالمية الثانية التى لم يسقط عليها فى نفس هذه المساحة هذا العدد من القنابل والصواريخ ولا هذا العدد من الضحايا.
وإذا كان من المؤكد أن تيار الاعتدال العربى والفلسطينى قاد المسار السياسى، وخاصة مسار التسوية السلمية، ونجح فى أن يفرضها على الجميع- مؤيدين ومعارضين- منذ معاهدة كامب دافيد ١٩٧٩ وانتهاء باتفاق أوسلو ١٩٩٣، إلا أن السؤال المطروح: كيف سيتعامل هذا التيار مع التطرف الإسرائيلى ومع رفض منظومة الحكم فى الدولة العبرية النسوية السلمية وحل الدولتين، بل صار الوجود الفلسطينى نفسه مهددًا أمام محاولات التهجير الإسرائيلية؟ وهل ستستطيع نظم الاعتدال العربى أن تعيد طرح مبادراتها السلمية مرة أخرى بعد أن اختارت إسرائيل التطرف ورفض كل الحلول السلمية؟!.
لقد طرح تيار الاعتدال العربى مسارًا للتسوية الشاملة عقب انتفاضة الأقصى ودخول مسار أوسلو إلى غرفة الإنعاش حين أطلق الملك عبدالله فى ٢٠٠٢ مبادرة السلام العربية التى أُعلنت فى مؤتمر القمة العربية فى بيروت ونصت بشكل واضح على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة، بما فيها الجولان وإقامة دولة فلسطينية مستقلة فى الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشرقية، فى مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وهنا سنجد أن الموقف العربى كان ملتزما بقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، فى حين أن إسرائيل لم تلتزم بأىٍّ من هذه القرارات، ولم يحاسبها أحد؛ لأنها ظلت دولة استثناء فوق القانون والشرعية الدولية.
كيف سيتعامل المعتدلون العرب، حكاما ومحكومين، مع دولة محصنة وفوق القانون، تمارس تطهيرا عرقيا وحرب إبادة، ويستهدف مسؤولوها فى الحكم (وليس تنظيمات التطرف الصهيونى) الأعراق والقوميات والأديان الأخرى بشكل عنصرى وتحريضى؟!.. أى أن من تصور من تيار الاعتدال أن المشكلة فى المتشددين العرب كشفت له حرب غزة أن المشكلة الأساسية فى المتشددين الإسرائيليين، والتعامل معهم سيتطلب مشروعا جديدا لا يتخلى عن جوهر مشروع الاعتدال فى التسوية السلمية العادلة، وفى حل الدولتين، وفى النضال الشعبى والمدنى.
إنما يجب أن يهتم أولا قبل طرح مبادراته بامتلاك أوراق ضغط حقيقية تمارس على الدولة العبرية وعدم اعتبارها دولة طبيعية يكون التفاوض معها بدون شروط مسبقة ولا أوراق ضغط قوية، كما عليه ثانيا ألا يطرح فقط حل الدولتين إنما أيضا حل الدولة المدنية الواحدة التى يعيش عليها الجميع بدلا من الدولة اليهودية الصهيونية.