غاز لبنان.. والوضع الجيوسياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قبل توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في 27 أكتوبر 2022، لم يكن ممكناً البدء بأي استثمارات في الحقول الجنوبية للنفط والغاز، أي البلوكات 8 و9 و10. لكن الوضع تغيّر بعد توقيع الاتفاق، انطلاقاً من أنه &"يرسي الهدوء&" في المنطقة، ولمدة طويلة، وبما يتيح للشركات العالمية فرصة الاستثمار في لبنان.
وزاد اطمئنان الشركات مع الرهان على الدور الأميركي الذي انتقل من &"الرعاية&" لإبرام الاتفاق إلى &"الوصاية&" على تنفيذه، وذلك بتفويض شامل وصلاحيات واسعة، وبمرجعية وحيدة لحسم أي خلاف قد ينشأ، سواء بين الحكومات أو بينها وبين الشركات المتعاقدة معها.. حتى أن الاتفاق يفرض على &"أي شركة تريد الاستثمار في الغاز والنفط في لبنان أن تعرف أنها خاضعة للشروط الأميركية ولوصاية واشنطن وإشرافها. لذلك يفتح هذا الاتفاقُ البابَ أمام واشنطن لتعزيز نفوذها في منطقة شرق المتوسط.
وفي ضوء ذلك، دخلت منصةُ الحفر والتنقيب الأميركية &"ترانس أوشن&" بثقلها المشهدَ السياسي اللبناني، وفي تقاطع مصالح مشتركة مع شركة &"توتال&" الفرنسية التي تقود كونسورتيوم يضمها مع شركتي &"إيني&" الإيطالية و&"قطر للطاقة&"، وبدأت مرحلة الحفر في حقل قانا، على أمل أن ينتهي قبل نهاية أكتوبر الماضي، بنتائج إيجابية، وفق تقارير الخبراء التي تتوقع ثروةً لا تقل قيمتها عن100 مليار دولار. ووُصف البلوك 9 بأنه &"واعد&"، نظراً لتطابق الطبقات الجيولوجية والجيوفيزيائية مع حقل &"كاريش&" الإسرائيلي الذي تبلغ احتياطات الغاز فيه 1.75 تريليون قدم مكعب.
وفي 15 أكتوبر أحدثت شركة &"هاليبرتون&" الأميركية المتعهدة لدى شركة &"توتال&" صدمةً كبيرة بوقف أعمال الحفر، معلنةً عدم وجود كميات تجارية في البئر، بعدما وصلت إلى عمق 3900 متر، بينما كان يفترض أن تصل إلى عمق 4400 متر. وربط المراقبون الأسباب الحقيقية لوقف الحفر بأنها تعود إلى تطورات حرب غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر، وشملت في اليوم الثامن جبهة جنوب لبنان، وهي في تصاعد مستمر، وتهدد بالتوسع في المنطقة.
وذلك خلافاً للموقف الأميركي الذي أعلنه الوسيط آموس هوكشتاين، ودعا فيه الأطراف السياسية إلى الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قوية وكاملة الصلاحيات، تستطيع أن تؤمّن الاستقرارَ السياسي والأمني، وإيجاد أجواء جاذبة للاستثمار ومشجعة للشركات. لكن اللافت أنه في ظل تصاعد حدة القتال، واستمرار مساعي الوسيط الأميركي في جولات مكوكية بين بيروت وتل أبيب للوصول إلى اتفاق &"تهدئة&"، وحل مشكلة الحدود البرية المختلف عليها، أصدر مجلس الوزراء اللبناني قبل نهاية ديسمبر الماضي قراراً بإطلاق جولة التراخيص الثالثة لتشمل 7 بلوكات في المياه البحرية، وكلف وزير الطاقة وليد فياض بدعوة الشركات العالمية لتقديم عروضها.
وعلى الرغم من أن تحالف &"توتال&" الفرنسية، لم يقدّم حتى الآن تقريرَه الفني عن نتائج عمليات الحفر في حقل قانا، فقد وعد مؤخراً الحكومةَ اللبنانية بتقديمه في نهاية فبراير المقبل، وعليه -قبل مايو المقبل- أن يقرر إما استئناف الحفر، أو التخلي عن البلوك رقم 9 نهائياً.
وفي الوقت نفسه، وافق مجلس الوزراء اللبناني في منتصف يناير الحالي على تلزيم التحالف البلوكين 8 و10 الواقعين في الحدود البحرية مع إسرائيل. وقد تم تحسين بعض الشروط لجهة تقصير مدة الحفر في البلوك رقم 10 من سنتين إلى سنة ونصف. وفي البلوك رقم 8 أُعطيت الشركاتُ ثلاثةَ أشهر، لتقرر البدء في الحفر مباشرة. كذلك أُضيف بندٌ تجاري مهم يسمح بإمكانية التفاوض على زيادة حصة لبنان في حال توفرت كميات تجارية من الغاز. وتم الاتفاق على توقيع العقود الرسمية قبل 12 فبراير المقبل، بعد تأمين كل المستندات الرسمية المطلوبة.