أوكرانيا تدخل الثقب الأسود
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بضعة أيام فقط تفصل عن دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، وليس هناك ما يشير إلى وقف قريب لإطلاق النار أو بدء مفاوضات سلام تنهي هذه الأزمة المعقدة. ورغم الخسائر الكبرى التي لحقت بالقوات الأوكرانية وتعثر كل الهجمات المضادة، إلا أن القوى الغربية مازالت مصممة على استمرار هذه الحرب عسى أن تتحقق الهزيمة الاستراتيجية لروسيا، كما يأملون.
مجريات القتال اليومية لا تصب في مصلحة كييف وحلفائها الغربيين، ففي الفترة الأخيرة تلاحقت الضربات النوعية لمفاصل المجهود الحربي الأوكراني، وحققت القوات الروسية اختراقات في الجبهات يصعب تداركها، كالسيطرة على بعض المدن والمناطق الحيوية، وكلها ضمن المناطق التي ضمتها موسكو بداية الحرب. وبالمقابل، ما زالت السلطات في كييف تتحدث عن خطط واستراتيجيات لطرد القوات الروسية من المناطق التي استولت عليها بما في ذلك شبه جزيرة القرم. والحقيقة المسكوت عنها أن هذه الأهداف يستحيل تحقيقها، وفق التوازنات الحالية، لكن حسابات القوى الغربية لا تستطيع الاقتناع بالوقائع، ولم تتزحزح عن مواقفها المعلنة منذ بداية الأزمة، ومازالت تسعى إلى جمع الهشيم لإذكاء نيران هذه الحرب التي أحرقت سياسات وحكومات، وخلطت الكثير من الأوراق على مستوى العالم أجمع.
في هذه المرحلة يفترض أن يتأمل المنخرطون في هذه الأزمة ما جرى خلال العامين الماضيين، فالعلاقة بين روسيا والغرب، بقيادة الولايات المتحدة، بلغت درجة من العداء والاستنفار لم تشهدها حتى الحرب الباردة، وبدا التلويح بالاصطدام من الجانبين في مضمون تصريحات وإيحاءات شبه يومية. فالمسؤولون الغربيون، الذين باتت تستفزهم برودة أعصاب نظرائهم الروس، باتوا بفكرون في حلول انتحارية، من قبيل السعي إلى مصادرة الأموال الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا، أو إعداد العدة للصراع المباشر مع موسكو، وهي محاولات جاءت بعد أن استنزفت جهود الدعم المالي والعسكري الموارد الأوروبية والأمريكية. وباعتراف الكثير من صنّاع القرار فإن الخيارات أمام الغرب أصبحت ضيقة للغاية مع احتجاب المساعدات الأمريكية، ومع ذلك ليس هناك نية إلى تقديم تنازلات حتى لا يتحول الموقف استسلاماً أمام روسيا.
بعد نحو عامين من الحرب، أصبح الداعمون لكييف جناحين، الأول أمريكي، ويواجه صراعات داخلية وانقساماً سياسياً حاداً على عتبة انتخابات رئاسية حاسمة، والثاني أوروبي، بات يخشى أن يظل وحيداً في مواجهة القوات الروسية في أوكرانيا، فالأسلحة والأموال محدودة، وقد أثرت الحرب عميقاً في البنى الاقتصادية والاجتماعية. وما ثورة المزارعين المستمرة، والإضرابات التاريخية في قطاعات النقل والصحة والإعلام وزيادة شعبية اليمين المتطرف إلا دليل نتيجة مباشرة لتداعيات الصراع في أوكرانيا، ومثلما قيل في بداية الأزمة فإن ال17 ألف عقوبة التي فرضت على روسيا، قد ارتدت 17 ألف مشكلة في أوروبا والولايات المتحدة.
في هذا التوقيت الحرج بدأت أوكرانيا تدخل الثقب الأسود بسبب تعثر المساعدات الأمريكية، وهو محبِط بالنظر إلى الدعم الأوروبي المحدود. وأمام هذه الحقيقة ليس هناك من خيار غير الاعتراف بالمتغيرات وعدم الانتحار وراء أوهام تخدع كالسراب.