جريدة الجرائد

ديكتاتورية "المقاومة"

دخان بعد قصف إسرائيلي على كفركلا في الجنوب اللبناني في 8 شباط (فبراير) 2024
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ما أن انتهى "العدواني الثلاثي" عام 1956، حتى تحول جمال عبد الناصر إلى زعيم لمقاومة الاستعمار، مفتتحاً حقبة جديدة في سلطته تقوم شرعيتها على ذاك العنوان: المقاومة. وهي سلطة يستحيل معارضتها من دون التلطخ بالخيانة.

هكذا بات عبد الناصر معبود الجماهير، حتى بعد هزيمته النكراء عام 1967.

كان ذاك درساً لسائر القادة العسكريين الذين وصلوا إلى السلطة في الدول العربية. استمرارهم فيها مشروط بذاك العنوان، المقاومة، ولو انهزموا عسكرياً شر هزيمة، أو حتى لم يخوضوا أي حرب ولم يقترفوا أي مقاومة تذكر.

وكان حافظ الأسد هو الأبرع في ذلك. فطالما أنه يتبنى المقاومة كعقيدة وشعار سيبقى في السلطة، وإن توقف عملياً عن ممارستها. بل إن انقلابه على رفاقه عام 1970، كان بسبب تهورهم لارتكاب حروب "مقاومة".

طبعاً، كان "تحرير فلسطين" هو هدف المقاومة الكبير بعد رحيل الاستعمار، إن في اليمن مثلاً أو الجزائر أو السودان أو ليبيا أو العراق.. ثم في إيران الخمينية والخامنئية.

أهم ضمانة للوصول إلى السلطة ومن ثم الاستئثار بها (إلى الأبد) هي لمن يكون مقاوماً أكثر من غيره.

ثم أن هذه المقاومة ليست فقط لكسب الولاء الداخلي، بل هي بمعظم الأحيان لنيل النفوذ والشعبية والتأييد في الدول والمجتمعات المجاورة، بما يتيح لهذا القائد أو النظام المقاوم سطوة على الداخل والخارج في آن معاً. وبهذا، يصير لاعباً استراتيجياً، إقليمياً ودولياً، على ما طمح القذافي وصدام والأسد، وعلى ما فازت به إيران وحظيت منذ عقود.

في لبنان، وذات لحظة دموية، أتت "المقاومة الإسلامية" بوصفها أكثر مقاومة من غيرها، لتستأثر بها وتستحوذها كلها بلا منازع، وتوضع كبند أساسي في وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف). وكان هدفها الشرعي والطبيعي تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي. والأهم هو "منع" التحرير من غير طريق المقاومة، لما في ذلك من شبهات مساومة وتطبيع وربما معاهدة سلام مع العدو تجلب الخزي والعار، ولا يعود معها للمقاومة أي مبرر للوجود.

أُنجز التحرير واستمرت المقاومة. تماماً كما يجب أن تكون عليه بصيغتها العربية القديمة، والإيرانية المستحدثة. أي أن تصير عقيدة سياسية وسلطة لا معارضة لها. فيمكنها والحال هذه، أن تتنكب مهمات "حفظ المقاومة"، وسلاحها الذي لا بد أن يشق طريق القدس، من البوكمال إلى حلب فحمص وإدلب ودمشق.. عدا عن الطرق الفرعية المؤدية أحياناً إلى صنعاء أو البحرين.. وصولاً حتى الأرجنتين. ومن غير إغفال الطريق إلى البرلمان والسراي والقصر الجمهوري وإدارات المرافئ وجمارك الحدود والمطار وسائر المؤسسات المدنية والأمنية.

وللمقاومة وحدها الحق في افتتاح المواجهات وإشعالها، أو ترتيب الهدنة أو التفاوض أو القبول بوقف إطلاق النار أو بوضع شروط التهدئة، وبربطها أو فكها عن غيرها من مسائل محلية أو إقليمية.

ويمكنها والحال هذا، أن تهدد أو تشترط ما تريد في كل الملفات والقضايا، كونها "المؤتمنة" وحدها على صواب خيارات الشعب اللبناني ودولته ومصيرهما. وحدها المخلصة والعارفة بالمستقبل الزاهر للبنان، والحافظة لكرامته ووجوده.

واليوم، بات شبه مؤكد أن المقاومة تسلك طريق انتصار جديد عن طريق مفاوضة تاريخية لا مثيل لها. فأميركا وبريطانيا وفرنسا (وإسرائيل ضمناً)، جميعهم يفاوضون "الحزب" ليس فقط من أجل ترتيبات كبيرة وشاملة على الحدود أكثر أهمية حتى من الترتيبات الشهيرة التي أنجزها حافظ الاسد مع هنري كيسنجر بعد حرب 1973، بل تتصل بتكوين حكم جديد في لبنان يكرس معادلة رسوخ سلطة المقاومة إلى أمد غير منظور (الأبد ربما).

ومن "حسنات" هذا الاتفاق التاريخي المرتقب تأمين استقرار طويل الأمد، وحسم الصراع الطائفي في لبنان نهائياً بفضل غلبة المقاومة وسطوتها الكاسحة، وإخضاع تلك الدول الكبرى لمتطلبات الأمن الاقتصادي للبنان، فلا يضطرب ويثير القلاقل مرة أخرى. وفوق هذا التخلص من عثرات النظام اللبناني عند الاستحقاقات السياسية، كمثل انتخاب رئيس للجمهورية أو اختيار رئيس للحكومة أو التجديد لرئيس مجلس النواب.

فهل من معترض على ديكتاتورية المقاومة الظافرة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
جواب سؤالك
صالح -

(((((( لا)))))