جريدة الجرائد

تاكر كارلسون وبوتين.. المقابلة التي غيّرت مستقبل الإعلام السياسي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"العالم يتغير وبشكل أسرع" هذه هي الحقيقة التي يمكن فهمها عبر لقاء استمر لأكثر من ساعتين، هذه المقابلة أجراها صحفي أميركي صاحب شعبية كبرى تعرض قبل عدة أشهر إلى الطرد من قناة فوكس نيوز، ولكنه لم يتوقف بل لجأ إلى العمل على برنامج يتم بث محتوياته على موقعه، وكذلك منصة (إكس)، هذه المقابلة بمنهجيتها هي رسالة واضحة أتتنا من المستقبل مباشرة لتخبرنا عن تحولات عالمية كبرى.

نتائج هذه المقابلة سياسيا يمكن قسمتها إلى أربعة أقسام أولاً: المآلات والتحديات التي تواجهها روسيا بعد حربها مع أوكرانيا وموقف الغرب منها ومن بوتين نفسه، ثانياً: تأكيد الانحياز الأوروبي ضد روسيا، مما جعلها أمام خيارات تحالفية مع الصين أو غيرها من الدول المعادية لأميركا، ثالثاً: استخدام معادلة التاريخ من قبل روسيا عملية استراتيجية لتأكيد تفوقها الامبراطوري بغض النظر عن ظروفها الحالية، رابعاً: سقوط نظرية سيطرة الغرب على الإعلام التقليدى والتحكم في مجريات الأحداث بظهور الإعلام الجديد الذي ينمو خارج التقاليد.

المقابلة عكست الانفراج الإعلامي الذي توفره وسائل التواصل الاجتماعي التي تعيش بحرية تامة بمستوى يقع أسفل الرقابة الإعلامية التقليدية، فهي أمواج تصعب مواجهتها عالمياً، فالتجربة التي قام بها كارلسون لن تكون الوحيدة، فكل الراغبين في الانشقاق عن الإعلام الغربي هم الآن يمتلكون الفرصة للظهور عبر وسائل مستحدثة، لذلك لا يمكن توقع من يكون ضيف كارلسون القادم فقد يكون رئيس كوريا الشمالية.

المقابلة إثارتها في اختلافها وخروجها عن الخط التقليدي الذي قال عنه بوتين إنه محتكر من الغرب، في الماضي كانت مقابلة المختلفين مع الغرب من القيادات السياسية والأيديولوجية تتم وفق منهجية هدفها خدمة الإعلام الذي يحتكر المشهد، لكن اليوم ثبت أن معادلة الإعلام السياسي تتغير، فالذين يدركون الحقيقة يعرفون أن تجربة كارلسون ليست تجربة إثارة أو خروجا عن المألوف، بل مسار مقصود ومدروس بدقة وسوف يستمر.

العالم سيواجه تحديات كبرى أمام آليات الإعلام الجديد، والانشقاق التدريجي عن الإعلام الرسمي سيكون ظاهرة مستقبلية بلا شك، وسوف يشمل ذلك العالم كله، وهذا التوجه يتحول إلى ظاهرة عالمية تجد الدعم الكبير من قبل جمهور شعبي بعيد عن التوجيه المباشر، ما قام به كارلسون لن يكون الأخير؛ فهذه المقابلة حصدت ملايين المشاهدات في دقائق، وهو ما لا تستطيع فعله أعتى القنوات الفضائية العالمية، كما أن تفكيك الثقة في الإعلام التقليدي على المستوى الدولي ستكون ظاهرة متداولة بتسارع.

الإعلام الجديد هو الأسرع في التغيير كونه يقدم مفهوما وتعريفا جديدا للإعلام السياسي أكثر مثالية مما تقدمه الدول التي تفضل الإعلام التقليدي، وكدليل على ما نتحدث عنه فإن البيت الأبيض الأميركي دعا إلى عدم تصديق ما ورد في المقابلة، وهذا خيار لم يحدث عبر مسيرة الإعلام التقليدي، فما هو تحت السيطرة أصبح خارج السيطرة، حتى أن هناك من تداول فرض عقوبات على كارلسون. وهنا يأتي السؤال المهم: من سوف يكسب المعركة التي بدأت للتو بين الإعلام السياسي التقليدي وبين ما قام به كارلسون تحت جنح الإعلام الجديد؟

هذا المسار المستحدث للإعلام السياسي سوف يساهم عمليا في نشر المزيد من الحقائق وكشف الكثير من الأسرار، وهذا يحدث ليس لأن هناك صراعا داخل أميركا أو صراعا مع روسيا، بل إن السبب الرئيس هو أن العالم يتغير وبشكل أسرع، بحيث لا يتيح للدول الكبرى الفرص المناسبة للمعالجة، ما قاله الرئيس بوتين في هذه المقابلة هو حقائق انتقلت من مرحلة الهاجس والتوقع إلى مرحلة الحقائق الراسخة، حديث بوتين عن أزمته مع الغرب كانت تعاني من درجة مصداقيتها بين وسائل الإعلام التقليدي كونها متطايرة في فضاء التوقع والتخيل، ولكنها عبر هذه المقابلة انتقلت إلى مسار رسمي مؤسس متاح تمكن من الوصول إلى ملايين البشر.

إن أهم نظرية تتبناها وسائل التواصل الاجتماعي هي ترقية درجة الاهتمام بما تنشره وإيصاله إلى ملايين البشر مما يسهم بشكل تلقائي في منح تلك المسارات درجة عالية من المصداقية التي يستحيل نقضها، نحن أمام مرحلة تاريخية سوف تتكشف من خلالها الكثير من الحقائق والمفاهيم، بحيث تصعب معالجة طوفان الإعلام الجديد التي أصبحت مصدرا مهما لكل ما كان مغيباً على المستوى الإعلامي.. وهنا يمكننا القول إن هذه المقابلة التاريخية قد تكون الخطوة الأخطر التي سوف تنقل الفضاء السياسي الدولى إلى فكرة اللعب على المكشوف سياسيا، لأن بوتين أجاب عن سؤال كارلسون حول خط غاز (نودستريم 1) وقال بكل صراحة أنتم من فجر الخط، فهل هناك أدلة أهم من هذا الإعلان المباشر عن موت الدبلوماسية وانفراطها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف