جريدة الجرائد

1982 مقابل 2024.. قصة ثلاث مدن

ناخبون أميركيون من أصل عربي وشجب لانحياز بايدن الكلي تجاه إسرائيل
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في نهاية الأسبوع الماضي، كان من المفترض أن أسافر إلى شيكاغو لحضور حفل الغداء السنوي للمرشحين لعضوية النادي الديمقراطي العربي الأميركي. لكن للأسف، منعني المرض من السفر وبدلاً من ذلك، فإنني أكتب ما كنت سأقوله في كلمتي الرئيسية، على أمل أن يساعد ذلك كلاً من الشباب والأكبر سناً من العرب الأميركيين على فهم أفضل لمدى التغيير الذي طرأ على المجتمع على مدى العقود الأربعة الماضية.

عندما بات من الواضح مدى قسوة الهجوم الإسرائيلي على غزة، كان الكثير من الأشخاص في عمري يعانون بعض الشيء من اضطراب ما بعد الصدمة. تذكرنا الألم والفزع والعجز الذي شعرنا به في عام 1982 أثناء غزو إسرائيل للبنان وقصفها، والذي بلغ ذروته بدخولها إلى بيروت الغربية. واليوم فإن الألم والفزع متماثلان، وفقدان الأرواح مروع ومدمر بنفس القدر. ولكن في جانب واحد مهم فإن عام 2024 يختلف تماماً عن عام 1982. فنحن لا نشعر بالعجز، لثلاثة أسباب مهمة.

أولاً، خلال العقود الأربعة الفاصلة، أصبح العرب الأميركيون متمكنين ومعترفاً بهم كجمهور سياسي مهم. ونتيجة لذلك، كوّن العرب الأميركيون حلفاء من بين دوائر سياسية مهمة أخرى. وأخيراً، أصبح جيل جديد من العرب الأميركيين أكثر جرأة ومهارة في بناء التحالفات والعمل السياسي المباشر.

وفي حين أنه لا يزال هناك ألم وفزع، فقد أفسح العجز المجال أمام الاحتجاج والمشاركة السياسية. يمكن سرد هذه القصة بشكل أفضل من خلال التقدم العربي الأميركي الذي تم إحرازه في ثلاث مدن: شيكاغو بولاية إلينوي، وديربورن بولاية ميشيجن، وباترسون بولاية نيوجيرسي. تعد شيكاغو موطناً لأكبر جالية فلسطينية في الولايات المتحدة. وبشكل عام، يشكل العرب الأميركيون ما يصل إلى 4-5% من الناخبين في المدينة. عندما تم إنشاء أول نادٍ ديمقراطي عربي أميركي في الثمانينيات، وناضلنا من أجل الحصول على الأعضاء العشرين اللازمين للميثاق. وبسبب التحيز المستمر ضد العرب، لم يأت سوى عدد قليل من المرشحين للمناصب العامة إلى المناسبات سعياً للحصول على دعم المجتمع. لقد تغير هذا. فمنذ عدة سنوات، أصبحت وجبة الغداء السنوية للنادي مدرجة في قائمة المهام التي يقوم بها القادة السياسيون في المدينة - وهو دليل على النفوذ السياسي المتزايد وذكاء المجتمع العربي.

إن هذا الحدث وغيره من الأحداث المماثلة التي استضافتها مجموعات سياسية عربية أميركية أخرى تتخذ من شيكاغو مقراً لها تجتذب الآن عملياً كل مرشح لمناصب عامة. وفي الوقت الحالي، هناك أميركي عربي واحد يخدم في مجلس الولاية، بينما يستعد آخر لانتخابه في الخريف.

ومع اتضاح حجم القصف الإسرائيلي والتطهير العرقي، اندلعت المظاهرات في جميع أنحاء المدينة، وانضم الشباب الأميركيون العرب إلى النشطاء التقدميين اليهود والمسلمين والسود للرد. كما عملوا معاً لتمرير قرار مجلس المدينة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، وهو القرار الذي أيده عمدة شيكاغو بشكل مدوٍ. وقد أخذ ثلاثة من أعضاء الكونجرس في المدينة بزمام المبادرة في تأييد مشروع قانون في الكونجرس يدعو إلى وقف إطلاق النار. تضم منطقة جنوب شرق ميشيجان، التي تشمل مدن ديترويت وديربورن والمجتمعات المحيطة بهما، أكبر عدد من السكان العرب، مقارنةً بأي منطقة مماثلة في الولايات المتحدة. وقبل أربعة عقود من الزمن، كان المرشح يبني برنامج حملته الانتخابية لشغل منصب عمدة ديربورن حول ما يجب فعله بشأن &"المشكلة العربية&".

وكان يقول إن المهاجرين العرب لا يشاركوننا قيمنا و&"يدمرون أسلوب حياتنا الجيد&". أما اليوم، فإن العرب يشكلون أكثر من نصف سكان ديربورن، ورئيس البلدية عربي أميركي، كما هو الحال مع غالبية أعضاء مجلس المدينة، وممثل الولاية، ورئيس الشرطة، وعدد من المسؤولين المحليين المنتخبين الآخرين. وقد وافقت ديترويت وديربورن وبلديات أخرى في جنوب شرق ميشيجان على قرارات لوقف إطلاق النار في غزة.

إن عدد السكان العرب الأميركيين في ميشيجان كبير للغاية، علاوة على أنهم منظمون بشكل جيد، لدرجة أنهم يمكن أن يشكلوا هامش الفوز أو الهزيمة في انتخابات رئاسية نتائجها متقاربة. ولهذا السبب أرسلت إدارة بايدن وفوداً من البيت الأبيض وحملة بايدن للقاء الجالية. وكان لابد من إلغاء العديد من هذه الاجتماعات لأن الجالية المحلية الناضجة سياسياً تفهم الفرق بين السياسات (الأنشطة التي يستخدمها بلد أو ولاية أو مدينة معينة لاتخاذ القرارات)، والسياسة (وهي إجراء أو خطة تستخدمها الحكومة لتحقيق أهداف معينة).

ما يفعله الآن زعماء العرب الأميركيين في ميشيجان، بما في ذلك المسؤولون المنتخبون، هو تشجيع أفراد الجالية على التصويت بعبارة &"غير ملتزم&" في الانتخابات التمهيدية للحزب &"الديمقراطي&" في الولاية في 27 فبراير. (عندما يختار الناخب كلمة &"غير ملتزم&"، فهذا يعني ضمنياً أنه يمارس &"تصويت الحزب&"، ولكنه غير ملتزم بأي من المرشحين المدرجين في بطاقة الاقتراع) وإذا فعل ذلك بشكل كافٍ، فسيبعث ذلك برسالة واضحة مفادها أن أصوات المجتمع مهمة ويجب كسبها.

في حين أن المشاكل التي واجهها العرب الأميركيون في مدينة باترسون بولاية نيوجيرسي كانت هي نفس المشاكل التي واجهتها المجتمعات في شيكاغو وديربورن، إلا أن التقدم الذي أحرزوه كان أكثر أهمية. فمدينة باترسون تضم أكبر عدد من السكان الفلسطينيين في الولايات المتحدة - ما يقرب من 7% من سكان مدينة باترسون أميركيون من أصل فلسطيني. قبل أربعين عاماً، لم يكن المجتمع العربي في باترسون منخرطاً سياسياً بشكل كامل.

لقد تغير ذلك. وفي يوم الرؤساء (عيد رسمي في الولايات المتحدة)، سيستضيف عمدة مدينة باترسون، وهو عربي أميركي، وأعضاء مجلس المدينة مؤتمراً صحفياً يناشدون فيه بايدن لأن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. ويعتمد هذا على قرارات وقف إطلاق النار التي أقرتها مدينة باترسون ومجتمعين محليين آخرين مجاورين والقرار التاريخي الذي تم اتخاذه قبل بضع سنوات بإعادة تسمية الشارع الرئيسي في مدينة باترسون، والذي أصبح يطلق عليه الآن &"طريق فلسطين&".

وباترسون هي المدينة الشقيقة لمدينة رام الله بفلسطين. في هذه المدن الثلاث، هناك جاليات عربية أميركية كبيرة، ومنخرطة سياسياً، وبالإضافة إلى التزامها بجعل مدنها أكثر أماناً وازدهاراً، فإنها تطالب أيضاً باحترام اهتماماتها من قبل الكونجرس والرئيس. إذن، ما الذي يجعل هذا العام 2024 مختلفاً عن عام 1982؟ بكل بساطة، أصبح العرب الأميركيون يتمتعون بقدرة أكبر وعدد أكبر من الحلفاء، علاوة على الاحترام والقوة السياسية، ونحن نستفيد منهم لجعل أصواتنا مسموعة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف