سردية المحمدين وذكرى التأسيس 1727م
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ثلاثة قرون هي ما تفصلنا اليوم عن العام 1727م، فهناك مئتان وسبعة وتسعون عاما من الوجود السياسي السعودي على أرض الجزيرة العربية، حيث رسمت عبر الزمن الكثير من الأحداث المليئة بملايين التفاصيل التي تحولت إلى مواقف تاريخية متدفقة كلها صبت في نهر الاستقرار والاستمرار، ولعل السؤال الجوهري اليوم هو كيف يمكن النظر إلى هذا التاريخ الطويل من الاستقرار؟ وكيف يجب أن نعبّر عنه وفقا للمتغيرات التي يؤمن بها المجتمع السعودي؟ منذ زمن وأنا أحاول أن أجد مناسبة للحديث عن تلك السردية التاريخية التي جمعت بين ثناياها بين محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية وبين محمد بن سلمان ولي العهد ومهندس مشروع الرؤية 2030م.
ومن المداخل التي يمكنها أن تعبر عما أريد هي مقولة منسوبة إلى وزير خارجية أميركا هنرى كيسنجر عندما قال "الرجال لا يصبحون أساطير بما يعرفونه أو حتى بما يحققونه، ولكن بالمهام التي يأخذونها على عاتقهم".. الحقيقة أن علاقتنا كسعوديين بالتاريخ قوية جداً، ونحن من الشعوب التي تؤمن بالاعتماد على إنجازات التاريخ وتتمسك به، ولذلك فإن مشروعنا السياسي ظل معتمدا على جسر طويل من الارتباط بين الماضي والحاضر نحو المستقبل، وهذا ما رسخ تلك العلاقة المثيرة بين ثقافة الكيان السعودي السياسي وبين الشعب الذي يتفق وبلا جدال بأن ثقافة الأسرة الحاكمة في السعودية عبر التاريخ قد أصبحت جزءاً لا يمكن فصله عن كيان المجتمع.
كمواطن سعودي لا بد أن أعترف أنه تؤذيني تلك التحليلات الثقافية التي لا تفهم واقع الشعب السعودي وعلاقاته التاريخية بكيانه السياسي الذي يحكمه، ولدحض هذه الفكرة فإنني أقول لكل من يرغب في فهمنا إنه إذا كانت العلاقات السياسية بين الشعوب ودولها يتم صبغها بجميع الألوان من أجل تحسينها، فإننا في السعودية وعبر التاريخ الذي امتد إلى ثلاثة قرون نكاد نكون نحن الشعب الوحيد الذي يضرب به المثل في علاقاته الالتحامية مع ثقافته السياسية بلا تدخل أي محسنات دعائية والفضاء السعودي الثقافي والاجتماعي يثبت ذلك.
ولكي يدرك الآخرون -وخاصة ممن يتحدثون عن السعودية- حقيقة هذه الأفكار عليهم أن يستعرضوا كيف تنتقد السعودية من حسادها، لم ولن يوجد من سوف يتحدث عن قضايا مرتبطة بالكيان السياسي أو خياراته والذي أثبت عبر التاريخ أنه قضية متفق عليها لدى الشعب الذي يثبت للعالم أن ثلاثة قرون من الزمن من قيادة الأسرة السعودية هي أكبر دلائل تلك العلاقة الراسخة بين الشعب وقيادته.
السؤال الآخر يقول: ماذا تعني هذه المناسبة لنا كسعوديين؟ بخلاف الرد الصارم والمستمر بأن هذ الكيان بقيادته ومكانته الإسلامية والعربية والدولية أصبح رقما صعبا في الاستقرار كمنهج أثبت للعالم تفوقه، فإن من يقرأ سيرة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- يدرك أن هذا الرجل بذكائه وقدراته أثبت للعالم أن إنجاز معجزة على أرض الجزيرة العربية لم يكن عملا مستحيلاً، بل تحقق لقائد يصنف بأنه أحد أهم القادة الذين أنجبهم القرن العشرون.
الحقيقة التي نؤمن بها جميعا هي أننا امتداد تاريخي انطلق منذ تأسيس الدولة السعودية على يد محمد بن سعود، ولذلك فإن نظرتنا إلى إنجازاتنا تتمثل في تذكير العالم بأننا تجاوزنا الكثير من التحديات من أجل استقرار هذا الكيان، وسوف نستمر -بلا شك- في تجاوز كل التحديات في المستقبل، فالدول التي تتجاوز كل هذا الكم من السنوات هي تحتفظ بتراكم تاريخي كبير يعمل بشكل تلقائي على ترسيخ استقرارها أمام التحديات بغض النظر عن شكلها.
في يوم 21 يونيو 2017م، تم تعيين سمو الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد وكانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت في شهر إبريل من العام 2016م رؤيتها 2030 بقيادة عرابها سمو الأمير محمد بن سلمان، هذه الرؤية أثبتت أن التاريخ قادر على أن يعيد نفسه بصور مختلفة ومنها سردية الإنجازات الاستثنائية بين محمدين أحدهما عاش قبل ثلاثة قرون والآخر هو بيننا اليوم، هذا الإنجاز في الرؤية لم يكمل بعد عقدا من الزمن ولكنه رفع مستوى الاستقرار ودرجة الأمان نحو المستقبل وارتياحا عاليا بعدالة هذه الرؤية وشموليتها وتوازنها والذي أدى إلى الإجماع السعودي بأننا في زمن يحمل سردية تاريخية حديثة نحو استقرار هذا الوطن وإنجازاته التاريخية.
نحن اليوم أمام مشروع آمنا به كونه مرحلة تاريخية نحو الاستقرار والتطور لهذه الدولة وقيادتها، فإيمان المجتمع السعودي بسمو ولي العهد هو إيمان يعززه الإجماع والثقة بإنجازات التاريخ، وإذا كان هناك من رسالة هنا فهي أن السعودية بقادتها وتاريخها وشعبها دائما لديها القدرة على مفاجأة العالم بإنجازاتها التاريخية.