جريدة الجرائد

أين انبثق فكر الأنوار؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ما أكثر ما يدور السجال بين ممثلي الأمم والشعوب من مثقفين ومفكرين حول من يكون الروّاد في مجال من مجالات الفكر أو الأدب أو الفن، وغالباً ما يرتدي هذا السجال لباس التعصب القومي أو الهويّاتي، كأن ينسب أحدهم الفضل في ريادة ما إلى مفكر أو أديب من وطنه، فيردّ عليه آخر نافياً السردية كاملة، ومرجعاً فضل الريادة إلى اسم آخر ينتسب إلى وطن هذا الآخر.

دور الروّاد يجب ألا يُؤخذ مفصولاً عن المرحلة التي ظهروا فيها، من الوجهات المختلفة: الفكرية والأدبية والاجتماعية والسياسية، وقد تبدأ الريادة بإرهاصات أولى لا يلتفت إليها الكثيرون في حينها، ليأتي باحثون يرصدونها، سواء أتت تلك الإرهاصات على شكل مشاريع نهضوية، استقلالية، تحررية، أوعلى شكل أعمال إبداعية رديفة أو موازية تؤسس للقطع مع ماضٍ تآكلت شرعيته التاريخية لمصلحة مستقبل واعد. والريادة، كما هو واضح من الكلمة، تعني البداية، بداية ارتياد طريق جديد واجتراح فكرة جديدة، وعلى الرائد أن يكون على قدر من الموهبة والنضج الفكري، والقدرة على تحسس الحاجة إلى التجديد، والجرأة في ولوج دروب جديدة غير مطروقة، مع ما قد يجرّه ذلك عليه من هجوم ممن اعتادوا السائد، وتشكلت شبكة مصالحهم وفقه.

حول ذلك يتناول تزفيتان تودوروف انبثاق فكر الأنوار، ملاحظاً أن الفرنسيين يعتقدون، في أغلب الأحيان، أن هذا الفكر من صنيعتهم، لكنه ينفي أن يكون الأمر كذلك، ففي البداية تطورت الأفكار في ما وراء بحر المانش أو إيطاليا، ثم تعمّقت ونضجت في وقت لاحق في ألمانيا. من وجهة نظر تودوروف أن فرنسا كانت &"صندوق الصدى الذي أتاح لهذه الأفكار الانتشار في ربوع العالم بفضل إشعاع العقل الفرنسي، وبفضل مفكرين من الطراز الأول على غرار فولتير أو جماعة الموسوعيين التي نتجاهلها أحياناً، في حين ظهرت كردّ فعل على الموسوعة الإنجليزية التي نُشرت في وقت سابق&".

أراد تودوروف النظر إلى الأمر بصورة بانورامية، لا الاكتفاء ب&"بروفايل&" محدود لا يتيح رؤية أوجه الظاهرة التنويرية من زواياها المختلفة، لذلك خلص إلى أن، &"الوطن الحقيقي لفكر الأنوار هو أوروبا&"، أي أن القارة كاملة، أو بلداناً بعينها فيها، شهدت المخاض الفكري الذي أدى إلى ظهور إرهاصات فكر الأنوار، ثم تبلوره وتشكّله في إطار رؤية متكاملة. ويدلل تودوروف على رؤيته هذه بأن مونتسكيو طاف دول أوروبية عدة، واستقرّ فولتيراً في إنجلترا، وسكن الإسكتلندي هيوم، والإيطالي بيكاريا، في باريس لفترة طويلة، لافتاً النظر إلى أن مؤلفات هؤلاء نشرت خارج بلدانهم الأم، لأنهم كانوا مضطهدين وملاحقين فيها بسبب أفكارهم المتمردة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف