«العمل العميق» بين عالم الأعمال والفوضى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كال نيوبورت مؤلف كتاب &"العمل بعمق.. قواعد التركيز والنجاح في عالم مشتت&" يصف بأن &"العمل العميق&" والقيمة المضافة تحظى بقيمة كبيرة في يومنا هذا، وترجع تلك القيمة إلى سببين، يتعلق أولهما بالتعلّم، فلدينا &"اقتصاد معلومات&" يعتمد على النظم المعقدة التي تتغير بسرعة، ولكي تكون لك قيمة في هذا الاقتصاد، ينبغي أن تتقن فن تعلم النظم المعقدة بسرعة فائقة، وهذه المهمة تتطلب عملاً وفكراً عميقاً، ومن ثم إذا لم تعمل على تنمية تلك القدرة لديك من المرجَّح أن يلفظك سوق العمل مع التقدم التكنولوجي!
&"العمل العميق&" في عالم الأعمال هو المتمثل في الأنشطة العملية التي تتم أثناء حالات تركيز عالية وخالية من أي تشتيت والتي تدفع بالقدرات المعرفية إلى مناطق لا حدود لها، ولذلك يعده الكثير عملة نادرة في نفس الوقت؛ لأنه دائماً ما يعمل بمرونة عقلية وجهود فكرية كبيرة ومهارات مرتفعة عميقة، ونتيجة لذلك نجد أن الذين ينمون تلك المهارة وأصبحت جوهر حياتهم العملية، هم من سينجحون ويكون البقاء لهم أكثر!.
أما السبب الثاني الذي يجعل &"العمل العميق&" ذا قيمة كبيرة، فيتمثل في أثر ثورة الشبكات الرقمية، فإذا كان بإمكانك أن تعمل شيئاً مفيداً، سيكون عدد الأشخاص الذين يستفيدون منه كبيراً، مما يضاعف مكافأتك، وبالمقابل إذا كان ما تقدمه غير مميز، فسيسهل على جمهورك أن يجدوا بديلاً له على الإنترنت، ويبقى الفيصل &"العمل العميق&".
وفي نفس المنعطف، يقدم إريك و أندرو في كتابهما &"الآلات والمنصات والحشود وصناعة مستقبلنا الرقمي&" فكرة مقنعة تقودنا إلى أن ظهور &"التكنولوجيا الرقمية&" هي ما ستغير أحوال سوق العمل على نحو غير متوقع، وأن هناك مجموعة من البشر يقدر لها النجاح بامتياز، وهم من يبدعون في التعامل و&"التعاون&" مع الآلات الذكية، وسر هذا التميز امتلاك قدرتين أساسيتين هما: القدرة على تعلم أشياء صعبة بسرعة، والقدرة على التميز في الإنتاج من حيث الجودة والسرعة معاً، وتعتمد هاتان القدرتان على استطاعتك القيام بـ&"العمل العميق&"
ولكي تتعلم أشياء صعبة بسرعة، ينبغي أن تركز بقوة دون تشويش، كما يعوزك العمل لفترات طويلة بتركيز تام على مهمة واحدة بعيداً عن التشويش، كي يصل مستوى إنتاجيتك إلى القمة، وهو أمر ضروري للنجاح في الحياة المهنية المستدامة.
فعلى سبيل المثال، نجد أن &"المكاتب المفتوحة&" في القطاعات والمؤسسات قد توفّر فرصاً أكبر للتعاون بين الفريق، لكنها في الوقت نفسه تسهم في غياب التركيز؛ إذ تتسبَّب في قدر كبير من الضوضاء والتشتُّت، وطبقاً لعلم الأعصاب، إذا كنت ستشرع في القيام بعمل وسمعت صوت جرس الهاتف في الخلفية، فلن تستطيع التركيز، وفي دراسات أخرى وجدت أن المقاطعات -مهما كانت قصيرة- فإنها تطيل الوقت الكلي المطلوب للانتهاء من مهمة ما وتفقده العمق.
بينما تتطوَّر الآلات الذكية، وتتقلَّص الفجوة بين الآلات والقدرات البشرية، تتزايد الاستعانة بالآلات الجديدة بديلاً عن البشر في ظل الاقتصاد الجديد، ولكن هناك أشخاص آخرون سيستمرون في العمل، وسينجحون لأن قيمة &"عملهم العميق&" سترتفع أكثر من ذي قبل حتى من الآلات نفسها!.
وفي نفس المنعطف، استعرض البروفيسور الراحل "راندي باوش" في محاضرته المُلهِمة ذائعة الصيت التي ألقاها قبيل وفاته بعنوان "المحاضرة الأخيرة"، صوراً لغرفة نومه وهو طفل، وكانت جدرانها مغطاة بمعادلاتٍ مكتوبة بخط يده، وناشد الآباء والأمهات بترك أطفالهم يكتبون على جدران غرفهم كما يحلو لهم دون اعتراض سبيلهم!.
ختاماً، ليست "الفوضى" هنا هدفاً في حد ذاتها، لكن بما أنها اتجاه جانبي للتعبير عن الذات، فهي عادةً ما تعتبر مؤشراً للنبوغ والابتكار لكثير من الأبحاث والتجارب وصولاً للصورة الذهنية، ومن الفوضى ما تزدحم به حياتنا وأبناؤنا ومكاتبنا وتعمها!.